حصار غرانيج.. أكبر حملة لـ"قسد" في دير الزور

سامر الخطيب

2025.08.16 - 03:46
Facebook Share
طباعة

 تشهد بلدة غرانيج بريف دير الزور الشرقي توتراً غير مسبوق منذ فجر 16 آب، بعد أن شنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حملة عسكرية واسعة النطاق، ترافقت مع اعتقالات ومداهمات وإجراءات أمنية مشددة، في خطوة وُصفت بأنها الأضخم منذ أشهر.


الحملة بدأت بانتشار عسكري مفاجئ، إذ دخلت عشرات المدرعات والعربات العسكرية إلى البلدة، ترافقها طائرات استطلاع مسيرة (درون) تحلّق في سماء المنطقة. وبحسب شهود محليين، اعتقلت القوات نحو 30 مدنياً خلال ساعات قليلة، فيما أحرقت منزل القيادي السابق في مجلس هجين العسكري، المعروف بـ"أبو الحارث الشعيطي".


ورغم انسحاب القوات لاحقاً من داخل البلدة، فإنها فرضت طوقاً أمنياً محكماً عبر حواجز نصبت على جميع المداخل، ما أدى إلى منع الدخول والخروج بشكل شبه كامل. وعلى الرغم من أن بعض المحال التجارية أعادت فتح أبوابها، إلا أن "قسد" منعت دخول الشاحنات المحمّلة بالخضروات والمواد الغذائية، ما أثار مخاوف الأهالي من حصار طويل الأمد يفاقم معاناتهم المعيشية.


خلفيات الحملة
تأتي هذه التطورات بعد يوم واحد من إعلان "قسد" تحرير أربعة من عناصرها الذين اختطفتهم خلية مسلحة في البلدة، يُعتقد أنها مرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية". وبحسب بيان رسمي، فإن العناصر كانوا يتلقون العلاج في مركز صحي ببلدة غرانيج خارج مهامهم العسكرية، حين تمت عملية الاختطاف.

ردّ "قسد" على هذه الحادثة كان سريعاً وحاداً، إذ حشدت قوة عسكرية ضخمة قوامها أكثر من 100 عربة ومدرعة، لتبدأ حملة مداهمات مكثفة استهدفت أحياء محددة داخل البلدة أبرزها حي المحاريج وحي الصالح العلي. هذه العمليات ترافقت مع إطلاق نار كثيف، ما أثار حالة من الذعر بين المدنيين. تقارير محلية أشارت أيضاً إلى تعرض بعض السكان للضرب وسوء المعاملة أثناء اقتحام منازلهم.


أبعاد أمنية أوسع
الحملة لم تقتصر على غرانيج وحدها، بل شملت إجراءات أمنية في بلدات مجاورة مثل الكشكية، جديد بكارة، جديد عكيدات، والدحلة. كما عززت "قسد" مواقعها على ضفاف نهر الفرات، بهدف منع أي عمليات عبور باتجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية أو العكس، وهو ما يعكس خشيتها من تحركات خلايا مسلحة عبر النهر.


هذا الانتشار الواسع يبرز أن "قسد" تسعى ليس فقط لمعالجة حادثة الاختطاف، بل أيضاً لإرسال رسالة ردع إلى أي مجموعات محلية أو خلايا قد تفكر في تحدي سلطتها في المنطقة. في المقابل، يرى مراقبون أن هذه الإجراءات قد تزيد من الاحتقان الشعبي، خصوصاً في ظل شكاوى الأهالي من الانتهاكات والتضييق على الحياة اليومية.


معاناة المدنيين
أهالي غرانيج يجدون أنفسهم وسط معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. فإغلاق مداخل البلدة ومنع إدخال المواد الغذائية والخضروات يهدد بتدهور الوضع المعيشي بشكل سريع، خاصة مع اعتماد السكان على الأسواق المحلية لتأمين احتياجاتهم اليومية. كما أن الاعتقالات العشوائية واقتحام المنازل تركت أثراً بالغاً من الخوف والقلق بين العائلات.


بعض الأهالي تحدثوا عن شعورهم بأن البلدة تُعاقب جماعياً بسبب حادثة اختطاف نفذتها مجموعة محدودة، مؤكدين أن استمرار الحصار سيؤدي إلى توتر اجتماعي أكبر قد يصعّب السيطرة على المنطقة مستقبلاً.


مشهد معقد ومستقبل ضبابي
ما يحدث في غرانيج ليس معزولاً عن المشهد العام في دير الزور، حيث تتقاطع مصالح قوى محلية ودولية، وسط نشاط متزايد لخلايا تنظيم "الدولة" في الأرياف. وفي الوقت الذي تحاول فيه "قسد" فرض هيمنتها عبر القبضة الأمنية، تبقى المخاوف قائمة من أن تؤدي هذه السياسات إلى نتائج عكسية، عبر تغذية الاحتقان الشعبي واستغلال التنظيم لهذا الغضب في تجنيد عناصر جدد.


مع استمرار الحصار وانتشار القوات في البلدات المجاورة، يبقى الوضع في دير الزور مفتوحاً على احتمالات متعددة: إما نجاح "قسد" في فرض سيطرة كاملة عبر القوة المفرطة، أو انزلاق المنطقة إلى دوامة جديدة من العنف والتوترات، يكون المدنيون فيها الخاسر الأكبر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 8