في مواجهة ضغوط أمريكية وإسرائيلية متجددة، أكدت القاهرة رفضها القاطع لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، واعتبرت ذلك "خطًا أحمر لن نقبل به تحت أي ظرف". تصريحات مصرية حادة تأتي في وقت تتصاعد فيه الدعوات داخل أوساط إسرائيلية متطرفة لنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج القطاع، في خطوة أثارت انتقادات دولية واسعة واتهامات بإمكانية اعتبارها تطهيرًا عرقيًا.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن المسؤولين المصريين دخلوا في مشادات كلامية مع نظرائهم الإسرائيليين خلال اجتماعات عدة، جراء هذه الفكرة، التي بررها بعض المؤيدين بالجانب اللوجستي لسيناء القريبة من غزة. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن مؤيدي التهجير تواصلوا مع مسؤولين في ست دول وأقاليم من بينها ليبيا وجنوب السودان وأرض الصومال وسوريا، للبحث عن إمكانية استقبال فلسطينيين يوافقون على مغادرة غزة، رغم تحذيرات جهات قانونية وإنسانية من أن الفكرة تشكل انتهاكًا للقانون الدولي وتهدد حقوق المدنيين.
ويأتي هذا التوتر في سياق استمرار الحرب وتصاعد الأزمات الإنسانية في غزة، حيث تحاول إسرائيل والولايات المتحدة تبرير الفكرة من منظور إنساني، بينما اعتبرتها حكومات عربية وأوروبية غير واقعية وتشكل خرقًا لاتفاقيات جنيف التي تمنع التهجير القسري إلا في حالات محدودة تتعلق بالسلامة أو الضرورة العسكرية.
ويُذكر أن أبرز المؤيدين لهذه الفكرة داخل الحكومة الإسرائيلية هم شخصيات من اليمين المتطرف، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذين روّجوا لسنوات لمخططات نقل الفلسطينيين خارج قطاع غزة. لكن خبراء قانونيين أكدوا صعوبة تبرير عمليات النقل بأنها طوعية في بيئة غزة الممزقة بالحرب، ما يزيد من جدلية المسألة على الصعيد الدولي.
خلفية: محاولات التهجير الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر وتصعيد نتنياهو
منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر، كثفت إسرائيل محاولاتها المتكررة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، معتبرة ذلك جزءًا من استراتيجيتها لتفريغ مناطق المواجهة وضمان حرية الحركة لقواتها العسكرية. هذه المحاولات تضمنت ضغوطًا دبلوماسية مكثفة على دول عربية، أبرزها مصر، من أجل قبول نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى أراضيها، إضافة إلى التواصل مع بعض الدول الإفريقية والخليجية والشرق أوسطية لاستيعاب النازحين.
لكن جميع هذه المحاولات اصطدمت برفض دولي وعربي واضح، مع إدراك واسع أن أي تهجير قسري يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، ويمثل تطهيرًا عرقيًا تحت ذريعة إنسانية. القاهرة كانت رأس الحربة في مواجهة هذه الضغوط، معتبرة أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء خط أحمر لا يمكن تجاوزه، بينما عبرت دول أوروبية ومنظمات حقوقية عن رفضها التام لأي خطة لإعادة التوطين القسري.
في الوقت نفسه، اعتمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذا الفشل النسبي للتهجير لتصعيد خطاب الحرب، معلنًا عن نية إسرائيل شن "حرب شاملة" تشمل كافة أنحاء قطاع غزة، في محاولة لتعويض فشل الخطط الدبلوماسية وفرض السيطرة الميدانية. تصريحات نتنياهو الأخيرة حول "إسرائيل الكبرى" تعكس توجهًا لتوسيع نطاق العمليات العسكرية وربطها بأجندة سياسية تهدف إلى تغيير المعادلة في المنطقة، في حين يواجه المجتمع الدولي تحديات كبيرة في الردع وضبط التصعيد دون الإضرار المدني الكبير في غزة.
من جهتها، شددت مصر على موقفها الثابت، مع تصريحات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، مؤكدة أن أي تهجير قسري للفلسطينيين إلى أراض مصرية "مرفوض كليًا"، فيما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في يناير الماضي أن "تهجير الفلسطينيين ظلم لن نشارك فيه"، في موقف يعكس التزام القاهرة بحماية حقوق المدنيين الفلسطينيين في مواجهة محاولات التغيير الديمغرافي القسري.