لبنان على مفترق طرق: تصنيف ائتماني ثابت وتحذيرات من الجمود المالي

2025.08.16 - 11:12
Facebook Share
طباعة

وسط ضغوط اقتصادية غير مسبوقة، أكدت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز على هشاشة الوضع المالي في لبنان، حيث رفعت تصنيف الدين طويل الأجل بالعملة المحلية إلى CCC مع نظرة مستقبلية مستقرة، بينما أبقت تصنيف العملة الأجنبية عند SD. الوكالة حذرت من أن أي تقدم ملموس في إعادة هيكلة الديون غير متوقع في الأجل القريب، وسط ضغوط الإنفاق، محدودية الوصول إلى الأسواق، والقصور في الإدارة والحوكمة.

هشاشة النظام المصرفي وخطر التخلف عن السداد

الوكالة أوضحت أن خطر التخلف عن السداد قائم بسبب قيود السيولة في البنوك المحلية والبيئة الاقتصادية الضعيفة، مؤكدة أن التصعيد العسكري الأخير في المنطقة يضعف بشدة أي احتمالات لتعافي الاقتصاد. ورغم أن الحكومة اللبنانية اتخذت بعض الإجراءات لتعزيز الشفافية المالية، فإن الوصول إلى استقرار مستدام ما زال بعيد المنال.

مؤشرات إيجابية محدودة: استعادة ثقة المستثمرين

على الرغم من المخاطر، شهدت الأسواق بعض التحسن بعد انتخاب رئيس مدعوم من الولايات المتحدة وتشكيل حكومة تكنوقراطية، ما ساهم في استعادة ثقة جزئية لدى المستثمرين. فقد سجلت السندات السيادية اللبنانية المتعثرة ارتفاعًا حادًا بنسبة 45% هذا العام، وهو أفضل أداء بين 69 سوقًا ناشئة يتتبعها "مؤشر بلومبرغ" للعائد الإجمالي السيادي للأسواق الناشئة.

الهندسة المالية ودوامة الديون المستمرة

منذ عام 2016، اعتمد لبنان على ما يُسمى بـ الهندسة المالية، والتي سمحت لمصرف لبنان بتمويل الإنفاق الحكومي وجذب ودائع مرتفعة الفائدة من البنوك. إلا أن انهيار التدفقات الأجنبية في 2019 أدى إلى فشل المصرف المركزي في سداد نحو 80 مليار دولار مستحقة للبنوك، ما أدى إلى مواجهة مستمرة بين المصرف والحكومة وأدى إلى تعطيل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

الإصلاحات المالية: بين الوعود والتحديات

تتوقف أي مساعدة خارجية على قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات مالية جذرية، تتعلق بمعالجة خسائر المصرف المركزي وإعادة أموال المودعين. وقد أحرز البرلمان تقدمًا في تعزيز الشفافية والحوكمة المالية، ووافق على خطة لإعادة هيكلة البنوك، بينما تجري الحكومة محادثات مع صندوق النقد لضمان توافق الإصلاحات مع المعايير الدولية واستدامة الدين.

لبنان بين الفرص المحدودة والمخاطر الكبرى

على المستوى الداخلي، يواجه لبنان تحديات متعددة تشمل ضعف الإدارة، تضخم الدين المحلي والخارجي، وقيود السيولة، بينما تحاول الحكومة الجديدة استعادة ثقة الأسواق والمستثمرين. على المستوى الخارجي، يعتمد لبنان بشكل كبير على المساعدات الدولية، والتي تشترط تنفيذ الإصلاحات وشفافية مالية صارمة، مما يجعل أي تأخير في الإصلاحات يُرجح استمرار الجمود المالي.

يُظهر المشهد أن لبنان على مفترق طرق: فنجاح الإصلاحات بشكل جزئي قد يتيح إعادة ترتيب استقرار اقتصادي محدود، بينما فشلها قد يُدخل البلاد في دوامة أعمق من الانكماش المالي والديون المستحقة، مع مخاطر اجتماعية كبيرة نتيجة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات الفقر.

 

يبقى الاقتصاد اللبناني في مرحلة حرجة، حيث تتقاطع الضغوط الداخلية مع التحديات الخارجية. أي خطوة خاطئة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، في حين أن التقدم البطيء والممنهج في الإصلاحات المالية قد يوفر نافذة ضيقة لإعادة ترتيب استقرار البلاد، ولو مؤقتًا.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9