نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً موسعاً عن موجة الاعتقالات التي شهدتها لندن في التاسع من أغسطس الجاري، خلال احتجاجات على قرار الحكومة إدراج حركة Palestine Action في قوائم المنظمات الإرهابية بموجب قانون الإرهاب لعام 2000. ووفقاً للتقرير، فإن الشرطة أوقفت ما يقرب من 532 شخصاً، نصفهم تقريباً من كبار السن الذين تجاوزوا الستين عاماً، في مشهد لافت قلب المعادلة المعتادة لقيادة الشباب للاحتجاجات.
تقول الغارديان إن أصوات المعتقلين هذه المرة حملت بعداً أخلاقياً يتجاوز الطابع السياسي التقليدي للاحتجاج. فـديبورا هينتون (81 عاماً)، وهي قاضية سابقة، رأت أن الحكومة تكرر أخطاء الماضي حين وصمت حركات اجتماعية سلمية بالإرهاب، مشبهة الوضع الحالي بتاريخ نضال السافراجيت في بدايات القرن العشرين. أما الأب جون ماكجاوان (75 عاماً) فاعتبر اعتقاله دليلاً على أن الوقوف ضد الظلم "واجب ديني وأخلاقي" قبل أن يكون فعلاً سياسياً. وفي السياق نفسه، استحضر كريس رومبرغ (75 عاماً)، وهو ضابط عسكري سابق، ذاكرة عائلته التي نجت من النازية ليؤكد أن السكوت على ما يجري في غزة والتواطؤ مع سياسات إسرائيل أخطر بكثير من كسر قوانين الحكومة البريطانية.
التقرير يشير أيضاً إلى أصوات أخرى مثل ريتشارد ويتمور-جونز (74 عاماً) وتريفليان إيفانز (64 عاماً)، حيث أقر الأول بوجود تحفظات على أساليب Palestine Action لكنه شدد على أن الحق في الاعتراض يبقى جوهرياً في أي ديمقراطية، بينما وصف الثاني قرار الحكومة بأنه "إسراف قضائي" يكشف عن عبثية استخدام قوانين الإرهاب في مواجهة متظاهرين سلميين.
على المستوى القانوني، أبرزت الغارديان مواقف عدد من المنظمات الحقوقية الكبرى مثل Human Rights Watch وFriends of the Earth، التي طالبت بتجميد الملاحقات القضائية إلى حين البت في الطعن المقرر أمام القضاء في نوفمبر المقبل، معتبرة أن الاستعجال في المحاكمات يمثل تهديداً مباشراً لحرية التعبير. كما نبهت الصحيفة إلى موقف المفوضية البريطانية للمساواة وحقوق الإنسان، التي رأت أن التعامل الأمني مع المحتجين اتسم بمبالغة غير مبررة، في حين وصف فولكر تورك، المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، قرار لندن بأنه "غير متناسب وغير ضروري" ويتعارض مع القانون الدولي.
من جانبها، نقلت الغارديان عن هدى العموري، المؤسسة المشاركة في Palestine Action، قولها إن توصيف الحكومة للجماعة "تشويه متعمد" يفتقر إلى أي سند استخباراتي، إذ إن التقارير المتاحة أكدت أن الحركة تمارس أنشطة احتجاجية قد تكون تخريبية لكنها لا ترقى إلى مستوى الإرهاب.
من السافراجيت إلى حرب العراق
الغارديان ربطت أيضاً بين هذا الحراك وحقب تاريخية مشابهة في بريطانيا والعالم. ففي الداخل البريطاني، تذكّر هذه الاعتقالات بتاريخ السافراجيت اللواتي وُصمن بالإرهاب في بدايات القرن الماضي قبل أن يصبح نضالهن حجر الأساس في حصول النساء على حقوقهن السياسية. وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، واجهت حركات مناهضة حرب فيتنام في الغرب اتهامات مشابهة، لكنها سرعان ما تحولت إلى رافعة ضغط شعبي أجبرت الحكومات على مراجعة سياساتها.
وعلى المستوى العالمي، يقارن التقرير بين الحملة الحالية ضد Palestine Action والحملات المناهضة للأبارتهايد في جنوب أفريقيا، والتي واجهت نفس السرديات الحكومية التي اتهمت النشطاء بالتطرف، قبل أن يثبت لاحقاً أن التاريخ كان في صفهم. كما يستعيد الذاكرة البريطانية القريبة حين خرج الملايين ضد غزو العراق عام 2003، في مظاهرات عُدّت الأضخم في تاريخ المملكة المتحدة، ورغم تجاهل الحكومة لمطالب الشارع حينها، فإن تلك الحركة أعادت تعريف دور المجتمع المدني في مواجهة سياسات الدولة.
ترى الغارديان أن احتجاجات لندن الأخيرة لا تعكس مجرد خلاف حول تصنيف قانوني، بل تعيد طرح سؤال أعمق حول حدود الديمقراطية البريطانية نفسها. فحين يختار كبار السن أن يضعوا ثقلهم المعنوي في كفة المقاومة المدنية، يصبح واضحاً أن القضية تتجاوز Palestine Action لتطال جوهر الحق في الاعتراض. غير أن الخطر الأكبر يكمن – بحسب التقرير – في أن استمرار الحكومة البريطانية بتجريم الاحتجاج السلمي يهدد بتقويض صورتها الدولية كـ"حامية للديمقراطية"، ويمنح خصومها السياسيين ذخيرة إضافية للتشكيك في مصداقيتها حين تتحدث عن الحريات وحقوق الإنسان في الخارج.