مجلس الأمن يقطع الطريق أمام سلطة موازية

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.14 - 12:32
Facebook Share
طباعة

جاء بيان مجلس الأمن الأخير بشأن السودان في لحظة مفصلية من عمر الصراع، ليضع إطاراً واضحاً لحدود المقبول دولياً في إدارة الأزمة.
حيث رفض المجلس بالإجماع إعلان قوات الدعم السريع تشكيل سلطة حكم موازية في مناطق سيطرتها، وهو رفض لا يقف عند حدود الإدانة السياسية، بل يحمل دلالات استراتيجية تتصل بمستقبل وحدة السودان واستقراره، هذه الخطوة تمثل من وجهة نظر الأمم المتحدة اختباراً لمدى قدرة النظام الدولي على منع انزلاق بلد بحجم السودان إلى سيناريوهات تقسيم أو انهيار شامل.

البيان لم يأتِ من فراغ، وانما استند إلى تراكمات من القلق الدولي إزاء مسار الأحداث منذ اندلاع المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023م.
إعلان السلطة الموازية قرأه المجلس كتحرك أحادي ينسف أي أمل في العودة إلى مسار سياسي جامع، ويكرس واقع الانقسام على الأرض، الأمر الذي يهدد بإعادة إنتاج أزمات مشابهة لما حدث في دول انهارت فيها مؤسسات الحكم المركزية.

اللافت أن البيان لم يكتفِ بالتوصيف السياسي، بل ربط مباشرة بين خطوة الدعم السريع وبين تداعيات إنسانية وأمنية أوسع، خاصة في مناطق النزاع مثل الفاشر، التي يشير القرار 2736 إلى ضرورة فك الحصار عنها ووقف الهجمات التي أوصلت المدنيين إلى حافة المجاعة.
هنا يبرز البعد الإنساني كأحد محركات الموقف الدولي، إذ يدرك مجلس الأمن أن استمرار العمليات القتالية دون ضبط سياسي يزيد من احتمالات كارثة إنسانية يصعب احتواؤها.

من الناحية السياسية، يعزز هذا الموقف الدولي سلطة الإطار الدستوري القائم، حتى وإن كان معطلاً على الأرض، لأنه يرفض أي بديل يُفرض بالقوة المسلحة. وفي ذلك رسالة مزدوجة: أولاً لقوات الدعم السريع بأن أي مكاسب عسكرية لن تتحول إلى اعتراف سياسي، وثانياً للأطراف المدنية بأن المجتمع الدولي لا يزال متمسكاً بوحدة الدولة كأولوية قصوى.

أيضاً كشف عن إدراك مجلس الأمن لتعقيدات المشهد الإقليمي، فالتجارب السابقة في المنطقة أظهرت أن الفراغ السياسي أو تعدد مراكز الحكم غالباً ما يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، سواء عبر الدعم العسكري المباشر أو التمويل أو التسليح.
ورغم أن المجلس دعا الدول إلى الامتناع عن أي تدخل يزيد من حدة الصراع، إلا أن هذا التحذير يسلط الضوء على المخاطر المستمرة من أن يتحول السودان إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية.

على المستوى القانوني، يشدد البيان على مبدأ المحاسبة عن الانتهاكات، وهو ما يعكس تحوّل ملف السودان من مجرد أزمة سياسية إلى قضية مرتبطة بالقانون الدولي الإنساني. الإشارة المتكررة إلى حماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية تعني أن المجلس قد ينظر مستقبلاً في آليات أكثر صرامة لمراقبة الامتثال، وربما فرض عقوبات على الأطراف التي تخرق هذه الالتزامات.

التداعيات المحتملة لهذا الموقف متعددة. أن يضع الدعم السريع أمام خيارين: إما التراجع عن خطواته الأحادية والعودة إلى المفاوضات، أو مواجهة عزلة سياسية أوسع قد تتطور إلى إجراءات عقابية.
ثانياً، يمنح الجيش والأطراف المدنية ورقة دعم دولي يمكن استثمارها في أي عملية تفاوضية قادمة، ثالثاً، يرسل رسالة طمأنة نسبية للمجتمعات المحلية التي تخشى من تقسيم البلاد أو انهيارها الكامل.

في البعد الأعمق، يعكس محاولة المجتمع الدولي الحفاظ على ما تبقى من فرص لتسوية سياسية قبل أن يصبح النزاع عصياً على الاحتواء.
فالتاريخ القريب للمنطقة يبرهن أن الأزمات التي تُترك دون حل سياسي شامل تميل إلى التحول إلى صراعات مفتوحة لعقود.

من جانبه، يبدو أن مجلس الأمن لا يكتفي هنا بدور المراقب، بل يحاول رسم خط فاصل بين ما يمكن القبول به وما يُعد تهديداً لأسس الدولة السودانية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 3