قبل 48 ساعة من الموعد المقرر للقمة الأميركية–الروسية في أنكريدج بولاية ألاسكا (يوم الجمعة)، يتحرك الأوروبيون في حالة استنفار سياسي غير مسبوقة.
اليوم الأربعاء سيكون اليوم الأكثر ازدحاماً في الأجندة الدبلوماسية الأوروبية منذ بداية العام، مع انعقاد ثلاث قمم متزامنة، هدفها الأساسي محاولة "تطويق" أي تفاهم ثنائي محتمل بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قد يتجاوز المصالح الأوروبية والأوكرانية.
القادة الأوروبيون يواجهون معضلة مزدوجة: من جهة، الخشية من أن يذهب ترمب إلى القمة بنية إبرام اتفاق "سريع" مع موسكو، يفضي إلى إعادة ترسيم الحدود على حساب كييف، عبر قبول مبدأ "تبادل الأراضي" الذي لمح إليه في مؤتمره الصحافي بالأمس الأول، ومن جهة أخرى، القلق من تهميش دورهم في صياغة أي تسوية، وهو ما يضعف قدرتهم على ضمان أمن القارة على المدى الطويل.
قمم الأربعاء الثلاث:
القمة الأولى، بقيادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ستجمع نحو 30 دولة ضمن ما يعرف بـ"تحالف الراغبين" الذي تأسس لدعم أوكرانيا وتقديم ضمانات أمنية لها، بما في ذلك نشر قوات ردع على أراضيها.
القمة الثانية ستعقد بين القادة الأوروبيين وحلف الناتو، لمناقشة الضمانات الأمنية والتحديات العسكرية التي تفرضها طموحات موسكو في المناطق المحتلة، أما القمة الثالثة، فهي الأهم، وستضم ترمب وستة قادة أوروبيين (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، بولندا، إيطاليا، فنلندا)، بالإضافة إلى زيلينسكي ورئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي والأمين العام للناتو.
الرسالة الأوروبية واضحة لا تغيير للحدود بالقوة، وأي "سلام عادل" يجب أن يحترم القانون الدولي وسيادة أوكرانيا، مع التأكيد أن كييف وحدها تملك حق تقرير مصيرها، لكن المشكلة أن هذه الشروط لا تتطابق مع مقاربة ترمب، الذي أبدى مرونة تجاه الاعتراف بمكاسب روسيا الميدانية إذا كان ذلك سيعجل بوقف الحرب.
المخاوف الأوروبية تفاقمت بعد تقارير نشرتها صحيفة لو فيغارو الفرنسية بالامس، كشفت أن مبعوث ترمب، ستيف ويتكوف، أساء فهم إشارات بوتين خلال لقاء سابق، فاعتقد أن موسكو قد تتخلى عن أجزاء من خيرسون وزابوريجيا مقابل السيطرة الكاملة على لوغانسك ودونيتسك، لكن اتضح لاحقاً أن الكرملين لا ينوي التنازل عن أي أراضٍ في هذين الإقليمين، بل يطالب بالسيطرة الكاملة على دونباس مقابل وقف إطلاق نار مؤقت فقط.
هذا الالتباس يضع البيت الأبيض في موقف حرج قبل القمة، ويثير تساؤلات حول مدى جاهزية الفريق الأميركي للتعامل مع مناورة سياسية معقدة من موسكو.
كما أن ترمب، الذي غير مقاربته للملف الأوكراني أكثر من مرة منذ عودته للبيت الأبيض، يزيد من حالة عدم اليقين لدى الحلفاء.
بعض الدبلوماسيين الأوروبيين يعتقدون أنه قد يستخدم القمة كفرصة لتقديم مبادرة "مرنة" لبوتين، حتى لو أثارت اعتراضات في كييف والعواصم الأوروبية الكبرى، بهدف تسجيل إنجاز سياسي سريع على الساحة الدولية.
سيناريوهات ما بعد ألاسكا:
إذا قرر ترمب المضي في اتفاق "تبادل الأراضي"، فمن المرجح أن يعتبر الأوروبيون ذلك صفقة غير مقبولة، وسيبحثون عن آليات لاحتواء تداعياتها، ربما عبر توسيع التحالفات الدفاعية الإقليمية أو زيادة دعمهم العسكري لأوكرانيا بشكل مستقل عن واشنطن.
أما إذا التزم ترمب بالخطوط الحمراء الأوروبية، فقد يشكل ذلك نقطة تحول في العلاقات عبر الأطلسي، ويعزز وحدة الموقف الغربي أمام موسكو. لكن هذا السيناريو يتطلب أن يقتنع ترمب بأن إشراك أوكرانيا وأوروبا في أي تسوية ليس عبئاً سياسياً، بل ضمانة لاستدامة الاتفاق.
هناك أيضاً سيناريو ثالث، وهو فشل القمة بالكامل، إما بسبب تعنت موسكو أو رفض كييف لأي تنازلات. في هذه الحالة، قد يستغل ترمب الفشل للتنصل من الملف الأوكراني، ما يترك الأوروبيين في مواجهة مباشرة مع روسيا دون دعم أميركي قوي، الأمر الذي قد يغير ميزان القوى في شرق أوروبا لصالح الكرملين.
اليوم الاربعاء اختبار حقيقي لقدرة أوروبا على التأثير في مسار الأحداث قبل أن تُحسم في ألاسكا، القادة الأوروبيون يدركون أن "الفرصة الأخيرة" لجر ترمب إلى معسكرهم قد لا تتكرر، وأن أي إخفاق الآن سيعني مواجهة مستقبل أمني أكثر هشاشة.