تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة التنكيل والقمع داخل سجونها، مستهدفة الأسرى من مختلف الفئات، بما في ذلك الأطفال والنساء، في انتهاك فاضح لكل القوانين والمعايير الدولية. تقارير فلسطينية، أبرزها الصادرة عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، كشفت عن ممارسات ممنهجة ضد المعتقلين القاصرين تتراوح بين العزل الانفرادي والحرمان من الزيارات والتقييد القاسي وصولاً إلى التحرش الجنسي. وفي الوقت ذاته، تواجه الأسيرات في سجن “الدامون” سياسة إذلال متعمدة تشمل الإهانة والاعتداءات اللفظية والجسدية، في ظل غياب أي مساءلة أو رقابة حقيقية على إدارة السجون.
هيئة شؤون الأسرى أوضحت أن الأطفال المعتقلين يُحتجزون في زنازين خالية من أي مقومات إنسانية، تفتقر للنظافة والتهوية والإنارة، وتنتشر فيها الحشرات، ويُحرمون من زيارة عائلاتهم، في محاولة لعزلهم نفسيًا وجسديًا. وفي سجن “مجدو”، تتعمد إدارة السجن إحضار الأسرى الأطفال للزيارة وهم مقيدو الأيدي والأقدام، معصوبو الأعين، ورؤوسهم مغطاة بأكياس سوداء. وحتى أثناء الزيارة، تُبقي إدارة السجن القيود على أقدامهم، وتربط أيديهم بطريقة تعيق حمل الهاتف للتحدث مع عائلاتهم، في مشهد يعكس انتهاكًا فجًا لحقوق الطفل والإنسان.
أما في سجن “الدامون”، فتتواصل الانتهاكات بحق الأسيرات. مكتب إعلام الأسرى أكد أن إدارة السجن نفذت قبل أيام حملة قمع بحق الأسيرات في غرفتي 2 و5 بذريعة العثور على قلم أو خيوط، وهي مبررات واهية تستخدم لتبرير الاعتداءات. خلال العملية، تعرضت الأسيرات للإهانة، وسُحبن إلى الساحة مكبلات الأيدي، وتم تصويرهن بحضور كلاب بوليسية. الأسوأ أن بعضهن أُجبرن على الخروج دون حجاب، في انتهاك صارخ لخصوصيتهن وكرامتهن، أعقب ذلك فرض عقوبة جماعية تمثلت في حرمانهن من “الفورة” لمدة أسبوع، والسماح لهن بالخروج لربع ساعة يوميًا فقط لقضاء الحاجة، في سياسة إذلال واضحة تستهدف كسر إرادتهن وإحكام السيطرة عليهن.
هذه الممارسات تمثل خرقًا مباشرًا لاتفاقية حقوق الطفل التي تنص على توفير الحماية الخاصة للقاصرين، كما تخالف اتفاقية جنيف الرابعة التي تفرض حماية خاصة للنساء في النزاعات المسلحة. غير أن هذه النصوص القانونية تبقى بلا فاعلية في ظل غياب آليات محاسبة حقيقية، ما يمنح سلطات الاحتلال ضوءًا أخضر للاستمرار في سياساتها القمعية. استهداف الأطفال والنساء لا يهدف فقط إلى كسر إرادتهم الفردية، بل يشكل جزءًا من استراتيجية أوسع لفرض الضغط النفسي والسياسي على المجتمع الفلسطيني بأسره، وإيصال رسالة مفادها أن لا أحد بمنأى عن العقاب، حتى أضعف الفئات.
تصاعد الانتهاكات في ظل الحرب على غزة يوحي بأن الاحتلال يستخدم السجون كساحة موازية للمعركة الميدانية، حيث يمارس الإذلال والتنكيل كأدوات حرب، مستفيدًا من ضعف رد الفعل الدولي. وفي حال استمر الصمت العالمي والاكتفاء بالتنديد اللفظي، قد تتسع هذه الانتهاكات لتشمل إجراءات أكثر قسوة، مثل تشديد العزل وزيادة الحرمان من الحقوق الأساسية واستهداف مزيد من القاصرين في حملات الاعتقال. الهجمة على الأطفال والنساء الأسرى تمثل جرس إنذار بأن الإفلات من العقاب يكرس نهجًا ممنهجًا من الجرائم بحق الإنسانية، ويؤكد أن غياب الضغط الدولي الجاد يعني المزيد من الفظائع في المستقبل القريب.