منذ النكبة عام 1948، ظل التهجير القسري أداة أساسية في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. واليوم، تتكشف ملامح مشروع جديد أكثر خطورة، يستهدف نقل مئات الآلاف من سكان قطاع غزة إلى دول إفريقية، في مقدمتها جنوب السودان، تحت غطاء "إعادة الإعمار". وتتحرك القاهرة دبلوماسيًا لإفشال الخطة، مدفوعة بمخاوف من تداعيات استراتيجية على الأمن القومي العربي ومستقبل القضية الفلسطينية.
بحسب إذاعة EMESS العبرية، يعتزم وفد إسرائيلي زيارة جنوب السودان لبحث إقامة مخيمات للفلسطينيين على أراضيها، في إطار خطة أوسع تشمل دولًا أخرى مثل ليبيا وإندونيسيا وإثيوبيا. ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن ستة مصادر مطلعة أن هذه المحادثات جارية بالفعل، وأن الإدارة الأمريكية على علم بها لكنها ليست طرفًا مباشرًا فيها.
وأكد جو سيلفيك، مؤسس شركة ضغط أمريكية تعمل مع جنوب السودان، تلقيه إحاطة من مسؤولين إسرائيليين بشأن المشروع، لافتًا إلى أن جوبا قد ترى في رفع العقوبات الأمريكية حافزًا للتعاون. كما أقر ناشط المجتمع المدني في جنوب السودان، إدموند ياكاني، وأربعة مسؤولين آخرين بوجود هذه المحادثات، لكنهم امتنعوا عن كشف تفاصيل إضافية.
وتشير المعطيات إلى أن هذه الخطوة جزء من تحرك يقوده رئيس الموساد ديفيد برنيا، الذي التقى في واشنطن مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، طالبًا دعمًا أمريكيًا لإقناع دول باستيعاب الفلسطينيين عبر حوافز اقتصادية ودبلوماسية.
تعود فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى عقود مضت، إذ طُرحت مشاريع مشابهة منذ خمسينيات القرن الماضي، شملت العراق والأردن ودولًا في أمريكا اللاتينية. لكن الجديد في الخطة الحالية هو محاولتها الجمع بين الضغوط السياسية والإغراءات الاقتصادية، مستفيدة من التحولات الإقليمية والانشغال الدولي بأزمات أخرى.
ويصف مراقبون هذا التحرك بأنه "تصفية صامتة" للقضية الفلسطينية، عبر تغيير الواقع الديمغرافي بدل الحروب المباشرة.
تؤكد مصادر مصرية أن القاهرة على علم بهذه التحركات منذ أشهر، وتضغط على جنوب السودان لرفض المقترح، في إطار موقفها الرافض لأي مشروع يهدف إلى إفراغ غزة من سكانها. وترى مصر أن نجاح هذه الخطة قد يفتح الباب أمام تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية لاحقًا، ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري والعربي.
مع استمرار الاتصالات الإسرائيلية ومحاولات كسب دعم دول إفريقية وآسيوية، تبدو المعركة المقبلة على طاولة الدبلوماسية الدولية، حيث تسعى مصر لإحباط المشروع قبل أن يتحول إلى واقع يصعب تغييره. وفي ظل الانقسام الدولي حول القضية الفلسطينية، يبقى التحدي الأكبر هو منع تكريس التهجير كحل سياسي للنزاع، لما يحمله من تداعيات استراتيجية على المنطقة بأكملها.