في تصعيد سياسي يحمل انعكاسات داخلية وخارجية، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعمل على تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية، مؤكدًا أن المسار معقد قانونيًا ويتطلب جمع أدلة وتوثيق شامل لتجنب الطعون القضائية. التصريحات تأتي في وقت يطرح فيه مشرّعون جمهوريون مشروع قانون جديد يستهدف الجماعة بشكل مباشر، ويعيد إلى الواجهة جدلًا أمريكيًا قديمًا حول وضعها القانوني.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير 13 أغسطس2025، لم تصدر الولايات المتحدة قرارًا رسميًا بإدراج "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية أجنبية وفق القوائم المعتمدة من وزارة الخارجية الأمريكية. غير أن واشنطن تصنف بعض الفروع المنبثقة عن الجماعة، مثل حركة "حماس" في فلسطين و"حسم" في مصر، على أنها تنظيمات إرهابية. هذا التمييز في التصنيف يعود، بحسب المسؤولين الأمريكيين، إلى الطبيعة اللامركزية للجماعة، حيث تختلف هياكلها وأدوارها من دولة إلى أخرى، ما يجعل تصنيفها الكلي أكثر صعوبة من الناحية القانونية والدبلوماسية.
بدأت دعوات إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب في واشنطن بوضوح منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، لكنها لم تلق إجماعًا داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة. في 2017، وخلال إدارة ترامب، طرح مشرّعون جمهوريون، بينهم السيناتور تيد كروز، مشروع قانون للتصنيف، لكنه لم يُقر. وفي 2019، ذكرت تقارير أن البيت الأبيض ناقش رسميًا هذا الخيار، لكنه اصطدم بتحفظات وزارة الدفاع ووزارة الخارجية، التي حذرت من تأثير القرار على علاقات واشنطن بحلفاء في الشرق الأوسط، خاصة في دول تشارك فيها فروع الجماعة في العمل السياسي بصورة علنية.
روبيو أوضح في مقابلة تلفزيونية أن الإدارة الأمريكية بصدد مراجعة جماعات يُشتبه بدعمها للإرهاب، مشيرًا إلى أن "الإخوان المسلمين" في قائمة المجموعات التي تثير قلقًا بالغًا. وبيّن أن الإجراء يتطلب تصنيف كل فرع على حدة، نظرًا لاختلاف نشاطاته وارتباطاته. كما انتقد ما وصفه بـ"تأخر" السلطات في تحديث قوائم الإرهاب، متعهدًا بتعويض هذا النقص عبر قرارات جديدة.
في تصريحاته، ربط الوزير الأمريكي بين الإخوان المسلمين وحركة "حماس"، مشددًا على أن الأخيرة، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة منذ 1997، هي جزء من الجماعة وفق ميثاقها الأساسي. واعتبر أن الحرب في غزة لن تنتهي ما لم تُزَل حماس كتهديد عسكري، وهو ما يعكس تداخل الملفين الفلسطيني والإخواني في الرؤية الأمريكية الحالية.
تعتبر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أحد أبرز الفروع المباشرة لجماعة الإخوان المسلمين على الساحة الفلسطينية. فقد تأسست الحركة عام 1987 على يد الشيخ أحمد ياسين وعدد من قادة التيار الإسلامي في غزة، كامتداد تنظيمي وأيديولوجي للإخوان، مستفيدة من شبكاتهم الدعوية والاجتماعية القائمة في الأراضي الفلسطينية.
الميثاق التأسيسي لحماس الصادر عام 1988 نص بوضوح على انتماء الحركة إلى جماعة الإخوان المسلمين، واعتبرها "جناحًا من أجنحة الإخوان في فلسطين". هذا الارتباط انعكس في تبني الحركة لخطاب يجمع بين الأبعاد الدينية والمقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وهو ما جعلها منذ بدايتها طرفًا أساسيًا في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ورغم أن حماس تتمتع باستقلالية ميدانية وسياسية في قراراتها، خاصة بعد دخولها المعترك الانتخابي وسيطرتها على قطاع غزة عام 2007، فإن جذورها الإخوانية ما زالت جزءًا من هويتها الفكرية، الأمر الذي تستخدمه بعض الحكومات، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، لتأكيد صلتها بـ"الإسلام السياسي" العالمي، ولتبرير إدراجها على قوائم الإرهاب منذ عام 1997.
هذا الارتباط الوثيق هو ما يستند إليه مشرّعون أمريكيون، مثل السيناتور تيد كروز، في الدفع نحو تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ككل منظمة إرهابية، بحجة أن أحد أبرز فروعها — حماس — يمارس العمل المسلح ويهدد مصالح الأمن القومي الأمريكي وحلفائه في الشرق الأوسط.
الشهر الماضي، تقدّم عدد من أعضاء الكونغرس، بقيادة السيناتور تيد كروز، بمشروع قانون يعتمد نهجًا تصاعديًا لتصنيف الإخوان، يبدأ بإدراج الفروع التي تشارك علنًا في الإرهاب، تمهيدًا لإدراج الجماعة ككل. هذه الاستراتيجية، المعروفة بـ"من الأسفل إلى الأعلى"، تهدف إلى حماية القرار من الطعون القضائية وتقليل الانتقادات السياسية.
يرى مراقبون أن إعادة طرح ملف تصنيف الإخوان تأتي في ظل إعادة صياغة الأولويات الأمنية لإدارة ترامب، وارتباطها بملفات الشرق الأوسط، خاصة الصراع في غزة، والتوتر مع إيران، والتحالفات الإقليمية. كما أن الخطوة تعكس تنامي نفوذ التيار الجمهوري المتشدد في الكونغرس، ومحاولته الضغط على المؤسسات التنفيذية لاعتماد مقاربة أكثر صرامة تجاه الإسلام السياسي.
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية بمصر عام 1928 على يد حسن البنا، في سياق اجتماعي وسياسي، ورفعت الجماعة منذ نشأتها شعار "الإسلام هو الحل"، وسعت إلى إعادة تشكيل المجتمع وفق مبادئ إسلامية شاملة، من خلال العمل الدعوي، والخيري، والسياسي.
خلال العقود التالية، توسعت الجماعة لتصبح شبكة تنظيمية دولية لها وجود في عشرات الدول، مع فروع وأذرع سياسية وخيرية وتعليمية وإعلامية. وقد تباينت أنشطتها بين بلد وآخر؛ ففي بعض الدول خاضت انتخابات وشاركت في حكومات، وفي دول أخرى انخرطت أو اتُهمت بالانخراط في أعمال عنف مسلح أو دعم جماعات متطرفة.
في مصر، حظرت السلطات الجماعة عدة مرات، كان آخرها في 2013 بعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، واعتبرتها "منظمة إرهابية". تبع ذلك قرارات مماثلة من السعودية والإمارات والبحرين، بينما أبقت دول أخرى، مثل تركيا وقطر، على علاقات وثيقة معها واحتضنت قياداتها.
أما على الصعيد الغربي، فقد تباين الموقف. في المملكة المتحدة، خلصت مراجعة حكومية عام 2015 إلى أن الانتماء للإخوان أو دعمها قد يشكل مؤشرًا على التطرف، لكنها لم تصل إلى حد الحظر الكامل. الولايات المتحدة من جانبها لم تصنف الجماعة ككيان إرهابي حتى الآن، لكنها وضعت فروعًا لها مثل حركة "حماس" و"حسم" على قوائم الإرهاب، بحجة تورطها المباشر في أعمال عنف.
محاولات التصنيف الأمريكي الشامل للإخوان تعود لما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لكنها اصطدمت دومًا بعقبات قانونية ودبلوماسية، خاصة لارتباط بعض فروع الجماعة بأحزاب سياسية شرعية في دول حليفة لواشنطن. هذا الجدل ظل قائمًا، ويتجدد كلما طرحت الإدارة الأمريكية أو الكونغرس مشروع قانون جديد بهذا الصدد، كما هو الحال في المبادرة الحالية المدعومة من شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري.