في خطوة قانونية هامة، رفعت منظمتان حقوقيتان بارزتان دعوى قضائية مشتركة أمام المحكمة الجنائية الدولية، تستهدف سياسة إسرائيل الممنهجة في استهداف الصحفيين في قطاع غزة، وذلك على خلفية الاغتيال الأخير للمراسل أنس الشريف وأربعة من زملائه.
رفع "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" ومؤسسة "هند رجب" الحقوقية، ومقرها في بروكسل، الدعوى التي اعتبرت أن الهجمات الإسرائيلية على الصحفيين ليست مجرد حوادث معزولة، بل جزء من حملة ممنهجة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وربما إبادة جماعية. وذكرت الدعوى أن 192 صحفياً لقوا حتفهم منذ بداية الحرب الجارية، وفق إحصائيات لجنة حماية الصحفيين، وهو رقم مرعب يعكس خطورة الاستهداف.
وأكدت المؤسستان أن إسرائيل تتبع سياسة واضحة تهدف إلى استهداف صحفيي قناة الجزيرة بشكل خاص، بتوجيه اتهامات مزيفة لهم بالإرهاب وتشويه سمعتهم علنًا، بهدف تبرير اغتيالهم والتخلص منهم من خلال ضربات جوية مستهدفة.
وتشير بيانات الأمم المتحدة حتى 11 أغسطس 2025 إلى استشهاد ما لا يقل عن 242 صحفيًا وإعلاميًا فلسطينيًا منذ اندلاع الحرب في غزة. وفي المقابل، وثّقت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين (CPJ) استشهاد 192 صحفيًا حتى 10 أغسطس، بينهم 184 فلسطينيًا. أما الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) فأكد استشهاد 180 إعلاميًا فلسطينيًا حتى التاريخ نفسه.
طالبت الدعوى المحكمة بإصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين عسكريين إسرائيليين محددين، كما دعت إلى توسيع نطاق مذكرة التوقيف الحالية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتشمل الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
وقال دياب أبو جهجه، رئيس مؤسسة "هند رجب" الحقوقية، إن القضية ليست مجرد إجراء رمزي، بل تمثل محاولة جادة لمحاسبة المسؤولين عن الاغتيالات التي وصفها بأنها "فظة ومتغطرسة ومغرقه بازدراء الحياة والإنسانية".
وفي غارة جوية استهدفتها إسرائيل، قُتل المراسل أنس الشريف إلى جانب زملائه المراسل محمد قريقع، والمصورين إبراهيم الظاهر ومؤمن عليوة، بالإضافة إلى موظف القناة محمد نوفل. وقد نفى الشريف وقناة الجزيرة الاتهامات الإسرائيلية التي وصفته بـ "قيادة خلية تابعة لحماس".
تأتي هذه الدعوى في ظل تصاعد التوترات وتصاعد جرائم استهداف الصحفيين في النزاعات، ما يثير قلق المجتمع الدولي بشأن حرية الصحافة وحقوق الإنسان في مناطق النزاع. ويؤكد المحللون أن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية قد تشكل سابقة قانونية مهمة، وقد تزيد الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها تجاه الصحفيين الفلسطينيين.
منذ أكتوبر 2023، يعيش المجتمع الإعلامي الفلسطيني مأساة غير مسبوقة: مئات القتلى من الصحفيين، حجم الدمار وتكرر الجرائم ضدهم، جعل من غزة "الأخطر" على حياة الإعلاميين في القرن الحادي والعشرين. هذه الخلفية تدعم أي تحرك قانوني أو تحقيق في استهداف الإعلاميين، وتسلّط الضوء على ضرورة تدخل دولي عاجل وجاد.
في الأيام الأولى للحرب، كان أكثر من صحفي يُقتل يوميًا في غزة، وهو معدل يفوق أي نزاع آخر. وتشير تقارير "مراسلون بلا حدود" إلى أن 103 صحفيين قتلوا في أول 150 يومًا فقط، ونصفهم تقريبًا قضى أثناء ممارسة عمله الصحفي على الأرض.
الأسوأ في تاريخ توثيق الانتهاكات الإعلامية
تصف منظمات حقوقية هذا النزاع بأنه الأكثر دموية في تاريخ الصحافة منذ بدء التوثيق المنهجي عام 1992، وفق سجلات CPJ. عام 2024 وحده شهد مقتل 124 صحفيًا حول العالم، بينهم 85 في غزة ولبنان، أي أن 70% منهم قضوا بفعل الهجمات الإسرائيلية، وهو رقم غير مسبوق عالميا.
اللافت أن نسبة عالية من الشهداء كانوا في العشرينات والثلاثينات من العمر، وهو ما يعكس التضحية القصوى لجيل شاب التحق بالميدان رغم المخاطر، مؤكدين التزامهم بنقل الحقيقة مهما كان الثمن.
استهداف ممنهج للبنية الإعلامية
لم تقتصر الانتهاكات على الأفراد، إذ طال الدمار نحو 48 منشأة إعلامية في غزة نتيجة القصف المباشر. كما رُصدت 89 حالة اعتقال بحق صحفيين، إلى جانب حملات تهديد إلكتروني ومضايقات ميدانية.
قوبلت هذه الانتهاكات بموجة من الإدانات الدولية، مع دعوات متكررة لفتح تحقيقات عاجلة ومحاسبة المسؤولين. وأكدت جهات مثل "مراسلون بلا حدود" أن استهداف الصحفيين يشكل جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني.