وجه مجلس أوروبا، وهو الهيئة الرقابية على الديمقراطية وحقوق الإنسان في القارة الأوروبية، تحذيراً مباشراً لدوله الـ46 الأعضاء بشأن مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، داعيًا إلى ضمان عدم استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان في غزة.
وجاء التحذير عبر بيان لمفوض المجلس لحقوق الإنسان، مايكل أوفلاهيرتي، الذي شدد على وجوب تطبيق المعايير القانونية القائمة، بما في ذلك وقف نقل الأسلحة إذا كان هناك خطر من استخدامها في خرق القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان.
تحول في الموقف الألماني
هذا التحذير تزامن مع خطوة سياسية بارزة في ألمانيا، إذ أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس قبل أيام تعليق صادرات الأسلحة التي قد تُستخدم في النزاع الدائر في غزة. القرار يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الألمانية، المعروفة تاريخيًا بدعمها القوي لإسرائيل، لأسباب تاريخية وسياسية. غير أن أوفلاهيرتي اعتبر أن الخطوة الألمانية، رغم أهميتها الرمزية، لا تكفي، داعيًا إلى تحرك أوسع وأسرع من جميع الدول الأعضاء.
إطار قانوني ملزم:
من الناحية القانونية، تمتلك الدول الأوروبية التزامات واضحة بموجب "الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة" واتفاقيات دولية، مثل معاهدة تجارة الأسلحة (ATT)، التي تحظر نقل الأسلحة إذا كان هناك خطر واضح من استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة.
تحذير مجلس أوروبا يعكس مخاوف من أن بعض الحكومات الأوروبية قد تضع اعتبارات سياسية أو اقتصادية فوق هذه الالتزامات، خاصة في ظل التحالفات الأمنية القائمة مع إسرائيل.
انقسام داخل أوروبا:
التحذير يسلط الضوء على الانقسام المتزايد بين الدول الأوروبية حول الموقف من الحرب في غزة، بينما تتجه دول مثل إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا إلى تبني مواقف أكثر تشددًا ضد تسليح إسرائيل، تحافظ دول أخرى على دعمها العسكري والسياسي لها، معتبرة ذلك جزءًا من التزاماتها الأمنية أو شراكاتها الاستراتيجية.
هذا الانقسام ينعكس أيضًا في المحافل الدولية، حيث تختلف أصوات أوروبا بين الدعوة لوقف إطلاق النار الفوري أو التركيز على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
البعد الحقوقي والدبلوماسي:
تصريحات أوفلاهيرتي تحمل أبعادًا تتجاوز النص القانوني، إذ تشير إلى إدراك متزايد بأن استمرار تدفق الأسلحة في ظل تقارير عن انتهاكات واسعة في غزة قد يضعف صورة أوروبا كمدافع عن حقوق الإنسان.
كما أن الموقف الأوروبي يراقب عن كثب من قبل منظمات دولية، بينها الأمم المتحدة، التي كثفت دعواتها لوقف الدعم العسكري للأطراف المنخرطة في النزاع.
التأثير على العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية:
أي تحرك واسع النطاق لوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل قد يترك أثرًا مباشرًا على العلاقات الثنائية، خاصة مع الدول التي تعد من كبار المورّدين، في المقابل، يرى مراقبون أن الضغط الحقوقي والشعبي المتزايد في الشارع الأوروبي قد يدفع الحكومات إلى إعادة النظر في سياساتها، حتى لو كانت على حساب بعض التحالفات التقليدية.
الشارع الأوروبي والضغط الشعبي:
خلال الأشهر الماضية، شهدت مدن أوروبية كبرى تظاهرات حاشدة تطالب بوقف فوري لمبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وفرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات في غزة.
هذه التحركات الشعبية تمثل عامل ضغط إضافيًا على الحكومات، خاصة مع اقتراب استحقاقات انتخابية في بعض الدول، حيث أصبح الملف الفلسطيني حاضرًا بقوة في الحملات السياسية.
تحذير مجلس أوروبا بشأن مبيعات الأسلحة لإسرائيل لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي والحقوقي الأوسع، إذ يعكس صراعًا داخليًا في أوروبا بين المصالح الاستراتيجية والالتزامات الحقوقية.
وإذا قررت مزيد من الدول الأوروبية الانضمام إلى الموقف الألماني وتعليق صادراتها، فقد يشهد النصف الثاني من 2025 تحولات جوهرية في العلاقة بين أوروبا وإسرائيل، وربما إعادة رسم دور أوروبا في النزاع الدائر في غزة.