كشفت هيئة الإحصاء في جنوب أفريقيا عن أرقام صادمة، حيث ارتفع معدل البطالة الرسمي إلى 33.2% في الفترة بين أبريل ويونيو، مقارنة بـ 32.9% في الربع الأول من العام.
هذا الارتفاع، وإن بدا طفيفًا على الورق، يعكس مسارًا مقلقًا، إذ يمثل الربع الثاني على التوالي من التزايد في معدلات البطالة، في واحدة من أعلى النسب على مستوى العالم.
بالأرقام، بلغ عدد العاطلين عن العمل 8.367 مليون شخص، رغم تسجيل تراجع محدود في معدل البطالة وفق التعريف الموسع، الذي يشمل الأفراد الذين توقفوا عن البحث عن عمل.
وبينت الهيئة أن ستة من أصل عشرة قطاعات رئيسية شهدت فقدان وظائف، أبرزها قطاع المجتمع والخدمات الاجتماعية، والزراعة، والتمويل، وهي قطاعات حيوية تعتمد عليها شرائح واسعة من المواطنين. أما القطاعات الأربعة الأخرى، فقد حققت زيادة في فرص العمل، لكنها لم تكن كافية لتعويض الخسائر.
هذه الأرقام تمثل تحدياً مباشرًا للحكومة الائتلافية التي تشكلت عقب انتخابات 2024، بعد أن خسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبيته البرلمانية للمرة الأولى منذ نهاية نظام الفصل العنصري. البطالة كانت في قلب الوعود الانتخابية للحكومة الجديدة، التي تعهدت بإصلاح سوق العمل وتحفيز النمو الاقتصادي. إلا أن استمرار الصعود في الأرقام يضع مصداقية هذه الوعود على المحك، ويثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على تنفيذ برامجها الإصلاحية.
تزامن إعلان الأرقام مع حدث اقتصادي خارجي يزيد الوضع تعقيدًا، إذ فرضت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي رسومًا جمركية بنسبة 30% على الصادرات الجنوب أفريقية، وهي النسبة الأعلى التي تُفرض على دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ورغم أن رئيس هيئة الإحصاء، ريسينجا مالوليكي، اعتبر أنه من المبكر تحديد أثر هذه الرسوم على سوق العمل، إلا أن التأثير المحتمل يبدو واضحًا على المدى القريب، خاصة في القطاعات المرتبطة بالتصدير والصناعة التحويلية.
اقتصاديون يرون أن أزمة البطالة في جنوب أفريقيا ليست مجرد نتاج لظروف آنية أو أزمات خارجية، بل هي انعكاس لهياكل اقتصادية راكدة، وخلل في توزيع فرص العمل، وضعف في تنمية المهارات. ورغم وجود اقتصاد متنوع نسبيًا يشمل التعدين والزراعة والخدمات، إلا أن النمو غير متوازن، وغالبًا ما يترك شرائح واسعة من الشباب دون فرص، ما يغذي الإحباط الاجتماعي.
من جانب آخر، هناك فجوة واضحة بين الوظائف المتاحة ومهارات الباحثين عن عمل، حيث تتركز الفرص في قطاعات تقنية أو تخصصية، بينما يظل التعليم والتدريب المهني غير قادرين على تلبية احتياجات السوق. إضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد ضغطًا من مشكلات البنية التحتية، وأزمات الطاقة المستمرة، التي تعرقل الإنتاج وتحد من استثمارات القطاع الخاص.
بالنظر إلى المستقبل، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية يمكن رسمها:
1. سيناريو التعافي التدريجي: إذا نجحت الحكومة في تنفيذ إصلاحات هيكلية حقيقية، خاصة في مجالات التعليم والتدريب، وتحفيز الاستثمار في القطاعات القادرة على خلق فرص عمل كثيفة.
2. سيناريو الركود المستمر: إذا ظلت الإجراءات الحكومية بطيئة ومجزأة، فقد تستمر معدلات البطالة في الارتفاع أو الاستقرار عند مستويات عالية، مما يضعف الثقة في قدرة الحكومة على التغيير.
3. سيناريو الصدمات المتتالية: إذا تراكمت الأزمات الخارجية، مثل الرسوم الجمركية أو انخفاض الطلب على الصادرات، فقد تواجه البلاد زيادة أكبر في البطالة، وما يرافقها من توترات اجتماعية وسياسية.
في كل الأحوال، يدرك صناع القرار في جنوب أفريقيا أن البطالة ليست مجرد مؤشر اقتصادي، بل قضية وجودية تمس الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد. ومع اقتراب العام الأول للحكومة الائتلافية من نهايته، سيكون هذا الملف اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرتها على الانتقال من مرحلة الوعود إلى التنفيذ الفعلي.