في خطوة تاريخية تُعيد كتابة قواعد اللعبة التكنولوجية في الشرق الأوسط، تستعد السعودية لإطلاق «علّام» في نهاية أغسطس 2025، وهو أول نموذج أساسي للذكاء الاصطناعي يُطوّر بالكامل من الصفر ويُركّز على اللغة العربية ولهجاتها المتعددة. هذا الإنجاز لا يمثل مجرد إضافة إلى عوالم الذكاء الاصطناعي، بل يُرسي حجر أساس لسيادة تكنولوجية عربية في مجال لم تعد تقوده إلا دول محدودة.
شركة «هيوماين» السعودية، التي يقودها فريق من 40 باحثاً يحملون شهادات دكتوراه، طورت «علّام» في سرية تامة، مع التركيز على تلبية الاحتياجات المحلية الإقليمية بدقة متناهية. النموذج مبني على مجموعات بيانات خاصة غير متاحة للعامة، ما يمنحه عمقاً ثقافياً وتمثيلاً حقيقياً للغة العربية الفصحى واللهجات السعودية، المصرية، الأردنية، اللبنانية وغيرها.
يُطرح «علّام» عبر تطبيق «هيوماين شات» المجاني، المشابه لـ«شات جي بي تي»، لكنه مزود بحواجز أمان ثقافية وسياسية تضمن التزامه بالقيم والمعايير المحلية، ما يجعله نموذجاً فريداً لا يشكل فقط أداة تقنية، بل منصة لبناء ثقة المستخدم العربي.
طارق أمين، الرئيس التنفيذي لشركة «هيوماين»، قال في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «علّام» هو إعلان عربي عالمي يؤكد أن الشرق الأوسط قادر على ابتكار وتشغيل نماذج ذكاء اصطناعي بمعايير عالية، معرباً عن أمله في تأسيس اتحاد عربي لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تعكس ثقافتنا وقيمنا.
بالإضافة إلى النموذج اللغوي، أعلنت «هيوماين» عن شراكة استراتيجية مع شركة «غروك» الناشئة في وادي السيليكون، التي تزودها بوحدات معالجة لغوية (LPUs) عالية الأداء والمنخفضة التكلفة، ما مكّن «هيوماين» من تقديم خدمات استدلال فعالة ومنخفضة الطاقة.
كما أعلنت الشركة عن إتاحة أحدث نماذج «أوبن إي آي» مفتوحة المصدر على منصتها، مع توفير دعم محلي داخل السعودية، وخطط لإطلاق نظام تشغيل «هيومان وان» في أكتوبر، الذي يعيد تصور بيئة العمل المؤسسية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وللمرة الأولى، تطلق السعودية حاسوب ذكاء اصطناعي متكامل تم تصميمه محلياً بالشراكة مع شركة «كوالكوم»، ليتم عرضه خلال منتدى مستقبل الاستثمار في الرياض، ما يعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي للتقنية المتقدمة.
تتماشى رؤية «هيوماين» مع «رؤية 2030» السعودية التي تعتبر الذكاء الاصطناعي حجر الأساس للنمو الاقتصادي والتنموي، ويدعمها توجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز القدرات المحلية والانتقال بالمنطقة من مستهلك للتقنية إلى منتج ومصدر.
طارق أمين أكد أن نجاح المشروع يعتمد على الكفاءات الوطنية التي أثبتت قدرتها على منافسة أفضل فرق البحث العالمية، وأن الوقت حان للشرق الأوسط ليدخل المعترك التكنولوجي بقوة.
مع إطلاق «علّام»، يدخل العالم العربي حقبة جديدة في الابتكار الرقمي، حيث يصبح الصوت العربي حاضرًا بقوة في منصات الذكاء الاصطناعي العالمية. هذه الخطوة تمثل بداية لتشكيل منظومة متكاملة من التطبيقات والخدمات، تمكّن المجتمعات العربية من التحكم في مستقبلها الرقمي، وتمهد الطريق للاقتصاد العربي الرقمي في القرن الحادي والعشرين.