تواجه إسرائيل واحدة من أعمق أزماتها بين القيادة السياسية والعسكرية منذ عقود، مع اشتداد الخلاف حول خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحتلال كامل مدينة غزة، في خطوة يعتبرها كبار الجنرالات مغامرة مدمّرة قد تدفع تل أبيب نحو عزلة دولية خانقة ومستقبل استراتيجي مجهول.
بحسب تقرير نشرته واشنطن بوست، قدّم نتنياهو مقترحًا “سريعًا وحاسمًا” للسيطرة الكاملة على القطاع، مدفوعًا بضغوط من أجنحة اليمين المتطرف في حكومته التي ترى في الاحتلال الشامل نهاية لوجود حركة حماس. لكن هيئة الأركان اعترضت بشدة، محذّرة من أن العملية ستستدعي نشر عشرات الآلاف من الجنود في بيئة حضرية مكتظة، وتكرار أخطاء كارثية كتجربة لبنان عام 1982.
تراجع تكتيكي وضغوط خارجية
وسط المخاوف من مستنقع عسكري وأزمة إنسانية خانقة، تم التوصل إلى صيغة وسط تقضي بتوسيع السيطرة الإسرائيلية بنسبة 10% فقط من أراضي غزة في هذه المرحلة، وتأجيل أي حسم شامل لحين مراجعة الوضع الميداني. كما ربطت الخطة الجديدة أي تقدم بري بإجلاء نحو مليون فلسطيني بحلول سبتمبر، وهو تراجع واضح عن تعهّد نتنياهو قبل أقل من 12 ساعة لقناة “فوكس نيوز” باستعادة غزة بالكامل.
المعارضة الداخلية تزامنت مع ضغوط خارجية، أبرزها من ألمانيا التي أعلنت وقف تصدير مكوّنات عسكرية حساسة، منها محركات دبابات ميركافا، في رسالة تحذير واضحة من أن استمرار الحرب قد يكلّف إسرائيل دعم حلفائها.
الخلافات بين السياسيين والعسكريين ليست جديدة في إسرائيل، فقد سبق أن أحبط قادة الجيش والموساد خطط نتنياهو لضرب البرنامج النووي الإيراني. لكن الأزمة الحالية أشد تعقيدًا لارتباطها بحرب مفتوحة على غزة، وضغوط يمينية تعتبر أي تراجع عن الحسم العسكري “استسلامًا سياسيًا”.
المستشار السياسي نمرود نوفيك أكد أن المؤسسة الأمنية أجبرت نتنياهو على تقليص خطته، وأن تجاهل قرار الجيش بالإجماع سيكون سابقة في تاريخ إسرائيل.
يرى مراقبون أن تعثّر خطة الاحتلال الكامل لا يرتبط فقط باعتبارات القتال الحضري أو الكلفة البشرية، بل يمتد إلى تأثيرات إقليمية ودولية أوسع. فالعملية قد تهدد مساعي التطبيع مع بعض الدول العربية، وتضع علاقات إسرائيل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على المحك قبيل الانتخابات، حيث يلعب الملف الفلسطيني دورًا حساسًا في مواقف الناخبين والدعم الحزبي داخل واشنطن.
بين ضغوط حلفائه اليمينيين وتحذيرات جنرالاته، يجد نتنياهو نفسه أمام معادلة شديدة التعقيد: إما المغامرة باحتلال شامل قد يعزل إسرائيل دوليًا، أو القبول بتدرج ميداني يهدد صورته السياسية أمام قاعدته الصلبة. وفي كلتا الحالتين، يبقى الشرخ بين السياسة والعسكر مرشحًا للتفاقم مع أي تصعيد قادم في غزة.