في ظل تصاعد النزاعات المسلحة حول العالم وتزايد دور المرتزقة في هذه الحروب، تواجه الدول تحديات كبيرة في ضبط وتحجيم ظاهرة استقدام المرتزقة للمشاركة في صراعات خارج حدودها. وتعتبر كولومبيا من الدول التي شهدت مشاركات واسعة لمواطنيها في النزاعات الدولية عبر شركات أمن خاصة توظفهم كمرتزقة، ما أثار مخاوف حكومية وشعبية حول انعكاسات هذه الظاهرة على سمعة الدولة وأمنها القومي. وفي خطوة جادة للتصدي لهذه القضية، يسعى الكونغرس الكولومبي لإقرار قانون يحظر إرسال المرتزقة إلى دول أخرى، في إطار جهود تنظيمية وقانونية تهدف إلى الحد من التدخلات المسلحة غير الرسمية وتأثيرها السلبي.
تعمل كولومبيا حالياً على تمرير مشروع قانون جديد يهدف إلى حظر إرسال مواطنيها للعمل كمرتزقة في النزاعات المسلحة الدولية، في خطوة تعكس رغبة الحكومة والبرلمان في ضبط ظاهرة توظيف الكولومبيين في الحروب خارج حدود البلاد. جاء هذا المشروع بعد إدراك أن أكثر من 15 ألف كولومبي شاركوا في صراعات مسلحة في مناطق مثل العراق وهايتي، غالباً عبر شركات أمن خاصة وظفتهم للعمل كجنود مرتزقة، دون معرفة كافية بأهداف هذه العمليات أو أبعادها السياسية.
أوضح أليريو أوريبي مونوز، عضو مجلس النواب الكولومبي، أن مشروع القانون الذي يناقشه الكونغرس حالياً انضم إلى اتفاقية دولية تحظر استخدام المرتزقة، وقد حصل على موافقة مجلس الشيوخ ولجنة النواب، مع توقع إقراره خلال جلسة عامة في أغسطس الجاري.
وأكد أوريبي عدم وجود صعوبات تُذكر في إقرار هذا القانون، مشيراً إلى الدعم الكبير من قبل الأغلبية في البرلمان لتبني هذا التشريع سريعاً.
هذا القانون يمثل استجابة مباشرة لمخاوف رسمية بشأن التداعيات القانونية والسياسية لوجود مواطنين كولومبيين في صراعات خارجية، خاصة بعد الأحداث المثيرة التي شهدتها هايتي، حيث شارك مرتزقة كولومبيون في عمليات أمنية أدت إلى اغتيال الرئيس الهايتي، وسط غموض كبير حول أهداف هذه العمليات ودوافعها.
الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو كان قد طالب في مطلع أغسطس الماضي الكونغرس بالتعامل العاجل مع هذا القانون، في خطوة تعكس الحرص على حماية سيادة البلاد وتجنب التورط في نزاعات خارجية عبر أذرع غير رسمية. ويعكس هذا المشروع توجه الدولة نحو تنظيم عمل شركات الأمن الخاصة التي توظف المرتزقة، وضبط انتقالهم للمشاركة في صراعات مسلحة، ما قد يساهم في تقليل المخاطر الأمنية والقانونية المرتبطة بهذه الظاهرة.
تأتي هذه الخطوة في إطار سياق دولي متزايد الوعي بضرورة مواجهة ظاهرة المرتزقة، التي تؤثر على استقرار بعض الدول وتهدد السلم الدولي. فبالرغم من وجود اتفاقيات دولية تحظر استخدام المرتزقة، إلا أن تطبيقها يختلف بين الدول، مما يتيح لنشاط هذه الفئة الانتشار في بعض المناطق الساخنة.
وبالتالي، يشكل تشريع كولومبيا نموذجاً إيجابياً في الجهود الوطنية والدولية للحد من عمل المرتزقة وتنظيمه قانونياً.