في خطوة مفاجئة وذات دلالة رمزية وسياسية عميقة، قررت ألمانيا إيقاف الموافقات على صادرات أسلحة قد تُستخدم في قطاع غزة «حتى إشعار آخر»، ردًّا على قرار الحكومة الإسرائيلية توسيع عملياتها العسكرية في غزة ونيتها احتلال مدينة غزة، وفق تصريحات المستشار فريدريش ميرتس وتصريحات رسمية نقلتها وكالات أنباء كبرى.
لماذا القرار مهم؟
ألمانيا تمثل ثاني أكبر مصدرٍ للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، وكانت تزود تل أبيب بأنظمة بحرية وبرامج تكنولوجية متقدمة، كما أن تراخيص صادرات بقيمة مئات الملايين من اليورو صُدّقت منذ بداية الحرب وحتى مايو 2025. وقف الموافقات على صادرات «التي يمكن أن تُستخدم في غزة» لا يقتصر على رمزية سياسية فحسب، بل يضرب أيضًا شبكات التوريد والتعاون الصناعي بين الشركات الألمانية والإسرائيلية.
التأثير العسكري والتقني المباشر:
على المدى القريب، القرار يضع إسرائيل في موقف حساس إذا احتاجت شحنات عاجلة من مكوّنات أو ذخائر أو معدات بحرية. بعض التحليلات الإسرائيلية تشير إلى احتمال تعطّل مشاريع استراتيجية (مثل صفقات غواصات وصفقات قطع غيار لمحركات ودبابات)، خصوصًا عندما تكون بعض المكونات أو خطوط الإنتاج مرتبطة بألمانيا.
لكن التأثير العملي الكامل يعتمد على مدة الحظر وقدرته على الانتشار إلى شركاء أوروبيين آخرين.
السيناريوهات المتوقعة:
1. قيود مؤقتة ومحدودة مع استثناءات استراتيجية — برلين تحافظ على موقف ضغط دبلوماسي لكنها تسمح بتمرير بعض الصفقات طويلة الأمد لتفادي اهتزاز العلاقات التجارية الأعمق. هذا سيخفف من الضربة الاقتصادية لكنه يترك رسالة سياسية قوية.
2. توسع الحظر أوروبياً — إذا تبعتها دول أوروبية أخرى، قد تحدث أزمة إمداد حقيقية تُجبر إسرائيل على تسريع بدائل الإنتاج أو نقل خطوط إنتاج خارج أوروبا، ما يستغرق وقتًا ويُكثّف الضغط السياسي لإنهاء العمليات العسكرية.
3. رد إسرائيلي/سياسي ومفاوضات سريعة — الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية قد تدفع تل أبيب لسلوك تفاوضي أو تغيير في تكتيكاتها الميدانية لتفادي انعكاسات طويلة الأمد على قدراتها الدفاعية.
البعد الاقتصادي والصناعي:
الضرر المحتمل لا يطال فقط الجيش: صناعات الدفاع الإسرائيلية المرتبطة بعقود أوروبية قد تُصدم بخسائر، وتواجه شركات لديها فروع في ألمانيا عراقيل في التصدير. هذا يفتح ملفات تعويضات واستثمارات لإعادة توطين خطوط إنتاج أو البحث عن أسواق بديلة، لكن كل ذلك يتطلب وقتًا ورأس مال.
البعد السياسي والدبلوماسي:
قرار برلين يعكس توازنًا صعبًا بين التزام تاريخي تجاه إسرائيل ومخاوف إنسانية وسياسية متزايدة بشأن العمليات في غزة. الرسالة الأوروبية — على الأقل من جانب برلين — أصبحت واضحة: دعم إسرائيل ليس مطلقًا إذا كانت العمليات العسكرية تُعرض المدنيين لخطرٍ كبير وتثير إدانات دولية واسعة. هذا يفتح فصلًا جديدًا في علاقة حليفين تقليديين ويضع واشنطن أمام ضغوط أوروبية متصاعدة.
ضربة استراتيجية:
الحظر الألماني يمثل ضربة سياسية واستراتيجية ذات أثر محتمل على قدرات إسرائيل على المدى المتوسط إذا استمرّ أو اتسع. لكنه ليس بالضرورة كافياً لوحده لتغيّر موازين المعارك فورًا: أثره الحقيقي سيُقاس بمدة الحظر، واستجابة دول أوروبية أخرى، وسرعة إسرائيل في إيجاد بدائل لخطوط الإمداد والتصنيع. في المشهد الراهن، برلين أعادت تعريف حدود الدعم الأوروبي، وجوهر المعركة الآن قد ينتقل جزئيًا إلى ساحات الابتكار الصناعي والدبلوماسي بقدر ما يبقى ميدان القتال محور الاهتمام.