ألمانيا توقف صادرات الأسلحة لإسرائيل استجابةً للغضب الشعبي

وكالة أنباء آسيا

2025.08.11 - 11:12
Facebook Share
طباعة

أعلنت الحكومة الألمانية، بقيادة المستشار فريدريش ميرتس، عن قرارها تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل "حتى إشعار آخر"، وذلك في أعقاب إعلان تل أبيب توسيع عملياتها العسكرية في قطاع غزة. وأوضح ميرتس في مقابلة مع هيئة الإذاعة الألمانية ARD أن القرار جاء رداً على تصعيد العنف الذي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، مؤكداً أن بلاده لا يمكنها تقديم الدعم العسكري في ظل تصعيد دامٍ يهدد آلاف المدنيين.

 

وأشار ميرتس إلى أن توسيع نطاق العمليات الإسرائيلية في غزة قد يؤدي إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين ويستلزم إخلاء كامل لمدينة غزة، متسائلاً: "إلى أين من المفترض أن يذهب هؤلاء الناس؟". وأضاف أن سياسة ألمانيا تجاه إسرائيل لم تتغير، وأن بلاده تقف بحزم إلى جانب إسرائيل منذ 80 عاماً، لكنها لن تدعم باستخدام السلاح في حرب يمكن أن تتحول إلى كارثة إنسانية.


في تصريح رسمي، أكد المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الألمانية أن "الحكومة الألمانية لن توافق على أي صادرات عتاد عسكري إلى إسرائيل يمكن استخدامها في قطاع غزة حتى إشعار آخر"، مشيراً إلى أن هذا القرار يأتي في أعقاب قرار الحكومة الإسرائيلية بـ"فرض السيطرة العسكرية" على غزة.

من جهة أخرى، أعربت وزارة الخارجية الألمانية عن قلقها البالغ إزاء استمرار معاناة السكان المدنيين في قطاع غزة، لافتة إلى أن مفاوضات وقف إطلاق النار، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين تمثل أهم الأولويات للحكومة الألمانية.

غضب شعبي ألماني متزايد

تعكس الخطوة الألمانية حالة الغضب والقلق المتزايدين في المجتمع الألماني إزاء الوضع في غزة. فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "دويتشلاند تريند" لصالح تلفزيون ARD أن 66% من الألمان يرون أن حكومتهم يجب أن تمارس المزيد من الضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها، مقارنة بنسبة 57% في أبريل 2024. وتعكس هذه الأرقام تزايد السخط الشعبي على استمرار العنف وتأثيره المباشر على المدنيين الفلسطينيين.

يرجع هذا الغضب إلى عدة أسباب رئيسية:

1. معاناة المدنيين في غزة: يعيش في قطاع غزة أكثر من 2.2 مليون نسمة، أغلبهم من المدنيين الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة، نتيجة الحصار والحرب المستمرة. ووسط عمليات القصف المتصاعدة، شهدت غزة نزوحاً جماعياً واسعاً، مما يثير مخاوف إنسانية كبيرة لدى المجتمع الألماني، الذي يراقب بحزن معاناة الأطفال والنساء وكبار السن.


2. تأثير الإعلام والتقارير الحية: التغطية الإعلامية الألمانية والدولية الحية للأحداث، التي تعرض صوراً ومشاهد مأساوية من غزة، جعلت الألماني العادي يعيش تفاصيل المأساة بشكل مباشر، مما أثار تعاطفاً واسعاً ورفضاً لاستمرار العنف العسكري.


3. تاريخ ألمانيا والتزامها بالقيم الإنسانية: لا يمكن فصل الموقف الألماني الحالي عن تاريخ ألمانيا الحديث، حيث تلعب القيم الإنسانية وحقوق الإنسان دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام والسياسة الخارجية. هذا يجعل أي انتهاك واسع لحقوق المدنيين في الصراعات الخارجية موضوع حساسية شديدة تؤثر على توجهات السياسة الألمانية.


4. خوف من تصعيد إقليمي واسع: يرى الكثير من الألمان أن استمرار العنف في غزة قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي أوسع، يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط، ويسبب أزمات لجوء جديدة تؤثر أيضاً على أوروبا. هذه المخاوف الأمنية تضاف إلى الانشغال الإنساني وتزيد من الضغط على الحكومة الألمانية.


5. مطالب منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية: ضغوط قوية تمارسها منظمات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أحزاب سياسية ألمانية تطالب بوقف إمدادات السلاح وإعادة النظر في علاقات التعاون العسكري مع إسرائيل، مما انعكس على توجهات الحكومة الحالية.


ردود الفعل السياسية

في مقابل ذلك، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقاده لقرار برلين، واعتبر أن وقف تصدير الأسلحة هو مكافأة لحركة حماس التي يصفها بالإرهابية، مؤكداً على ضرورة نزع سلاح حركة حماس لإنهاء الصراع، واعتبر أن هدف إسرائيل هو تحرير غزة من حماس وليس السيطرة عليها.

هذا الموقف يعكس التوتر بين برلين وتل أبيب في ظل أزمة إنسانية متفاقمة، حيث تواجه ألمانيا ضغوطاً داخلية وخارجية للحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه الاستجابة للمطالب الإنسانية والسياسية لمواطنيها.

 

 

في سياق الردود الرسمية، أصدر مكتب المستشارية الألمانية بيانًا أكد فيه أن قرار تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل "يعكس التزام ألمانيا الراسخ بالقانون الدولي وحقوق الإنسان"، مشدداً على أن "حماية المدنيين ووقف التصعيد العنيف من الأولويات الوطنية والدولية التي لا يمكن المساومة عليها".

ومن جانبها، عبرت وزارة الداخلية الألمانية عن "القلق البالغ حيال تصاعد العنف في غزة، وتأثيره المباشر على الاستقرار الإقليمي"، مؤكدة على ضرورة "دعم الجهود الدبلوماسية التي تضمن حق الشعوب في الأمن والسلام".

على صعيد مؤسسات حقوق الإنسان، أصدرت منظمة "برو أزول" الألمانية لحقوق الإنسان بيانًا طالبت فيه "الحكومة الألمانية باتخاذ خطوات أكثر حزمًا للضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية، وضمان توفير الحماية الإنسانية للمدنيين في غزة". وأوضحت المنظمة أن "استمرار الأعمال العسكرية بهذا الشكل يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويجب محاسبة المسؤولين عن أي جرائم حرب".

 

في الوقت نفسه، دعت جمعية "حقوق الإنسان في الشرق الأوسط" إلى "تعزيز الدعم الدولي لوقف إطلاق النار الفوري وبدء مفاوضات سلام شاملة"، محذرة من "التداعيات الكارثية التي قد تنجم عن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة".


تأتي خطوة ألمانيا بوقف تصدير الأسلحة وسط موقف متشدد غير مسبوق تجاه سياسة إسرائيل في غزة، ما يبرز انقساماً حاداً في المواقف الأوروبية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويبدو أن برلين تسعى لتحقيق توازن دقيق بين دعمها التاريخي لإسرائيل، ومطالب المجتمع الدولي بحماية المدنيين ووقف التصعيد العسكري، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى جهود دبلوماسية عاجلة لوقف العنف وبدء حوار سياسي شامل.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 8