في شهادة استقصائية نارية، كشف الصحفي الإسرائيلي المستقل يوفال أفرهام على منصة "إكس" عن تفاصيل صادمة تقف خلف اغتيال الصحفي الفلسطيني أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة، مؤكداً أن العملية كانت جزءًا من نهج منهجي لتبرير قتل الصحفيين، لا مجرد استهداف فردي.
بعد السابع من أكتوبر 2023، أنشأت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" وحدة خاصة أطلق عليها اسم "خلية الشرعية"، ضمت عناصر مهمتهم جمع أي معلومة يمكن أن تمنح غطاءً قانونياً أو أخلاقياً لأفعال الجيش في غزة. وفق إفادة أفرهام، ركزت هذه الخلية على ثلاثة مسارات أساسية: تصوير حماس كمسؤولة عن قتل المدنيين عبر إطلاقات فاشلة، اتهامها باستخدام الدروع البشرية، وإبراز استغلالها للمرافق المدنية.
لكن المهمة الأخطر – بحسب أفرهام – تمثلت في البحث النشط عن صحفيين غزيين يمكن تقديمهم في الإعلام كعناصر متخفين في حماس. الهدف من ذلك، كما يوضح، هو خلق نموذج واحد يُستخدم ذريعة لاتهام الصحفيين جماعياً وتبرير قتلهم، تماماً كما يُستخدم مثال "مستشفى واحد" لتبرير تدمير البنية الصحية كاملة.
أفرهام أشار إلى أن فريق "خلية الشرعية" أمضى أياماً في محاولة العثور على مثل هذا الصحفي، لكنهم فشلوا. ومع ذلك، ظل المنطق قائماً: "إذا وُجد نموذج واحد، يمكن تبرير استهداف الجميع".
ليلة الاغتيال، قصف الجيش الإسرائيلي موقعاً معروفاً منذ أشهر، فقتل أربعة صحفيين، وأقر أن الهدف الرئيسي كان أنس الشريف، الذي كرّس العامين الأخيرين لتوثيق الإبادة في غزة بعمل صحفي منهجي وشجاع، بينما – كما يقول أفرهام – انخرطت معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية في "تطبيع القتل الجماعي والتجويع والتدمير".
الجيش الإسرائيلي عرض لاحقاً وثائق تزعم انضمام الشريف إلى حماس عام 2013 وهو في السابعة عشرة. لكن أفرهام اعتبر ذلك ذريعة واهية، مشدداً على أن هذا المنطق – إن اعتُمد – يجعل غالبية الصحفيين الإسرائيليين الذين خدموا في الجيش أهدافاً مشروعة للتصفية. وأضاف: "الوثائق كانت وسيلة، أما السبب الحقيقي فهو أنه كان صحفياً".
في نظر أفرهام، فإن اغتيال أنس الشريف عشية خطط الجيش لاحتلال مدينة غزة ليس مصادفة، بل جزء من استراتيجية تهدف إلى إسكات الشهود وحرمان العالم من التغطية الميدانية، وهو السبب ذاته لمنع دخول وسائل الإعلام الدولية إلى القطاع.
خلفية:
منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، قُتل نحو 230 صحفياً في غزة على يد الجيش الإسرائيلي، وفق إحصاءات المنظمات الحقوقية. تقارير دولية – بينها من الأمم المتحدة – حذرت مراراً من أن استهداف الإعلاميين أصبح منهجياً، وسط إغلاق تام للقطاع أمام المراسلين الدوليين، ما يثير مخاوف متزايدة من طمس الجرائم.
اغتيال أنس الشريف، بحسب شهادة أفرهام، لم يكن حادثة معزولة، بل حلقة في سلسلة تستند إلى خطة استخباراتية منظمة. في حربٍ يُحكم فيها الحصار على الكلمة والصورة، يصبح الصحفي المستقل تهديداً وجودياً للرواية الرسمية، ويُعامل كسلاح يجب إسكات صوته بأي ثمن.