أظهر استطلاع جديد للرأي في ألمانيا تحولًا لافتًا في المزاج الشعبي تجاه القضية الفلسطينية، إذ عبر أكثر من نصف المواطنين عن دعمهم لاعتراف برلين بفلسطين كدولة مستقلة على الفور، في خطوة تتناقض مع الموقف الرسمي للحكومة الألمانية.
الاستطلاع، الذي أجرته شركة "فورسا" لصالح مجلة السياسة الدولية الألمانية، كشف أن 54% من المشاركين أجابوا بـ"نعم" على سؤال: "هل ينبغي لألمانيا الآن الاعتراف بفلسطين كدولة؟"، بينما عبّر 31% فقط عن رفضهم لهذه الخطوة، فيما امتنع الباقون عن الإجابة أو لم يحددوا موقفهم.
وتظهر الأرقام وجود فروق جغرافية في المواقف داخل البلاد، إذ بلغت نسبة المؤيدين للاعتراف في الولايات الغربية 53%، بينما ارتفعت إلى 59% في الولايات الشرقية، ما يعكس تفاوتًا طفيفًا لكنه ملحوظ بين المنطقتين.
تباين بين الرأي العام والموقف الرسمي:
الموقف الشعبي الذي كشفه الاستطلاع يتناقض مع سياسة الحكومة الألمانية، التي لا تزال تعتبر الاعتراف بفلسطين خطوة متأخرة ينبغي أن تأتي ضمن حزمة إجراءات شاملة لحل النزاع، وعلى رأسها التوصل إلى اتفاق يحقق مبدأ حل الدولتين.
الحكومة الألمانية، التي تكرر التزامها بأمن إسرائيل، ترى أن الاعتراف يجب أن يكون نتيجة لمسار تفاوضي ناجح يضمن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، لا أن يُتخذ كخطوة أحادية الجانب.
خلفية سياسية ودبلوماسية:
تأتي نتائج هذا الاستطلاع في وقت تشهد فيه أوروبا حراكًا متزايدًا لصالح الاعتراف بفلسطين، إذ اتخذت عدة دول أوروبية مؤخرًا خطوات في هذا الاتجاه، بينما تواصل أخرى دراسة الموقف وسط ضغوط شعبية وسياسية متصاعدة، خاصة بعد الأحداث الدامية في غزة وما خلفته من مآسٍ إنسانية أثارت التعاطف على نطاق واسع.
وبالنسبة لألمانيا، التي تحمل إرثًا تاريخيًا معقدًا في علاقاتها مع إسرائيل، فإن أي تغيير في الموقف الرسمي تجاه الاعتراف بدولة فلسطين يعد قرارًا حساسًا سياسيًا ودبلوماسيًا، وقد يترتب عليه ردود فعل قوية من أطراف متعددة على الساحة الدولية.
مؤشرات على تحول المزاج الشعبي:
يرى مراقبون أن هذه الأرقام تعكس تحولًا تدريجيًا في وعي الرأي العام الألماني حيال النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، مدفوعًا بتغطية إعلامية موسعة للمعاناة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، وبموجة احتجاجات وتظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية شهدتها مدن ألمانية كبرى في الأشهر الأخيرة.
ومع أن الموقف الرسمي لا يزال ثابتًا على موقف "الاعتراف في الوقت المناسب"، إلا أن استمرار تصاعد التأييد الشعبي قد يفرض على الحكومة مراجعة حساباتها في المستقبل القريب، خاصة إذا ترافق ذلك مع تحركات أوروبية منسقة لتبني موقف موحد بشأن الاعتراف.
بهذه النتائج، يضع الرأي العام الألماني حكومته أمام معادلة صعبة: الموازنة بين التزاماتها التقليدية تجاه إسرائيل، وضغوط ناخبيها الذين يميلون بشكل متزايد نحو الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة الآن، وليس لاحقًا.