تراجع دمشق عن لقاء "قسد": مسار التفاوض على المحك

سوريا- وكالة أنباء آسيا

2025.08.09 - 10:28
Facebook Share
طباعة

وسط تصاعد التوترات السياسية، كشفت مصادر حكومية سورية أن دمشق تدرس إلغاء جولة المفاوضات المرتقبة مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في باريس، في خطوة تؤكد عمق الانفصال الاستراتيجي بين الطرفين. الإعلان يأتي في ظل تصعيد واضح جرى عبر "مؤتمر مكونات شمال وشرق سوريا" الذي انعقد في الحسكة، ليكشف عن أزمة ثقة متجذرة ورفض سوري واضح لأي تساهل في ملف دمج "قسد" ضمن مؤسسات الدولة.

 

يأتي هذا التطور وسط خلفية معقدة يشكل فيها اتفاق 10 مارس 2025 حجر الزاوية، حيث نص الاتفاق على دمج "قسد" عسكريًا وإداريًا ضمن الجيش والمؤسسات السورية، مع تأكيد على وحدة الأراضي ورفض الفدرلة أو التقسيم.

لكن رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على التوقيع، فإن التحديات العميقة تعيق التنفيذ، لا سيما فيما يتعلق بشكل الدمج وحقوق الإدارة الذاتية التي تطالب بها "قسد" وترفض دمشق منحها ضمانات واضحة.

 

المؤتمر الذي عقد في الحسكة تحت عنوان "وحدة موقف المكوّنات" أضاف بُعدًا جديدًا للأزمة، حيث دعا المشاركون إلى تأسيس دولة لا مركزية ودستور يعترف بالتعددية العرقية والدينية والثقافية، وهو ما يعتبره الجانب الحكومي السوري تصعيدًا خطيرًا وخرقًا واضحًا لروح اتفاق 10 مارس.

هذا التجمع يمثل تقاطعًا حيويًا بين قوى محلية وعشائر وشخصيات دينية تسعى لتعزيز مشروع الإدارة الذاتية، في مواجهة رفض النظام السوري الذي يصر على مركزية السلطة ووحدة الدولة.

 

تظهر التحركات في الحسكة أن "قسد" تحاول تعزيز حضورها السياسي وتوسيع شرعيتها المحلية والدولية عبر تشكيل جبهة موحدة للمكونات المتعددة في شمال شرق سوريا، وهو ما ينذر بمزيد من الصدامات مع دمشق، ويضع المفاوضات على مفترق طرق خطير.

 

الجانب السوري من جهته، وفي موقف رسمي تحفظ على تسمية المصدر، اعتبر المؤتمر دليلاً على عدم جدية "قسد" التي يرى النظام أنها تنتمي فعليًا إلى تنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الذي يرفض استكمال تطبيق الاتفاق. ولفت إلى أن الحكومة تدرس خيار إلغاء جولة باريس إذا استمرت "قسد" في مواقفها التصعيدية، ما يشير إلى احتمالات تصعيد سياسي وربما عسكري.

وفي ظل الضغط الدولي المستمر، لا سيما من الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين ترعيان المفاوضات، تستمر دمشق في التمسك بثوابتها الوطنية، مع إصرار على رفض الفدرلة كخيار نهائي، مهددة باستخدام القوة إذا ما فشلت الآليات السياسية.

 

اتفاق 10 مارس ينص صراحة على دمج "قسد" ضمن مؤسسات الدولة مع الحفاظ على وحدة الأراضي ورفض التقسيم أو الفدرلة، ويشمل دمجًا عسكريًا وإداريًا ضمن الجيش السوري، على أن يتم التنفيذ ضمن إطار زمني محدد.

غير أن تطبيق الاتفاق يواجه عراقيل بسبب اختلاف الرؤى، إذ ترفض "قسد" التخلي عن سلطة الإدارة الذاتية من دون ضمانات واضحة، وتتمسك بصلاحيات واسعة لا تعترف بها دمشق، مما يقود إلى حالة من الجمود في المفاوضات.

مؤتمر الحسكة الأخير يعكس بوضوح محاولة "قسد" تعزيز موقفها السياسي عبر تأكيد التعددية العرقية والدينية والدعوة إلى دولة لا مركزية، بينما ترى دمشق في ذلك تهديدًا لوحدة البلاد ومحاولة لتكريس مشروع فدرالي مخالف لما تم الاتفاق عليه.

 

الأزمة بين دمشق و"قسد" لم تعد مجرد خلاف على تفاصيل الدمج، بل تحولت إلى صراع استراتيجي حول مستقبل شمال شرقي سوريا، بين مركزية الدولة وسيادة النظام من جهة، ومشروع الإدارة الذاتية التوسعي من جهة أخرى.

 

إعلان دمشق دراسة إلغاء جولة المفاوضات يؤكد عمق الأزمة واستمرار حالة التوتر التي قد تفضي إلى تصعيد شامل أو إعادة ترتيب ميداني يعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة.

 

في ظل هذه الخلفيات، يبقى الملف مرهونًا بمدى قدرة الأطراف الدولية والمحلية على فرض رؤية توافقية قابلة للتطبيق، أو المضي في طريق المواجهة الذي قد يكون الأشد خطورة على استقرار سوريا برمتها. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 2