وسط التصعيد الإسرائيلي المتواصل جنوب لبنان، فجّر قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح في يد الدولة، بما يشمل سلاح "المقاومة"، موجة انقسام سياسي عميق وخرقًا خطيرًا للتوازنات الميثاقية، ما يهدد بانهيار ما تبقى من الاستقرار الداخلي ويضع البلاد أمام معادلة صدامية مفتوحة.
بحسب تصريح خاص لوكالة أنباء آسيا، أكد رضا سعد، مدير مركز جنيف
للدراسات السياسية بسويسرا، أن القرار اللبناني الأخير لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق ضغوط مباشرة مارستها واشنطن عبر مبعوثها توم باراك، الذي قدم ما وصفه بـ"مطالب أمريكية واضحة"، في وقت عجز فيه عن إلزام إسرائيل بتطبيق القرار الدولي 1701 أو حتى وقف خروقاتها المتكررة.
الشرعية الميثاقية أمام اختبار مصيري
سعد شدد في حديثه على أن القرار الحكومي ضرب بعرض الحائط روح اتفاق الطائف والدستور اللبناني، اللذين نصّا على "شرعية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل"، وهو ما يعطي للمقاومة الحق في امتلاك السلاح.
وأضاف أن انسحاب وزراء "الثنائي الشيعي" – حزب الله وحركة أمل – من الجلسة الوزارية، أسقط الميثاقية عن القرار، مؤكدًا أنه وفق الدستور، "خروج أي مكوّن طائفي أساسي يفقد الحكومة شرعيتها".
بري يدخل على خط التهدئة.. وإسرائيل تراقب
رغم خطورة المشهد، لم تُغلق أبواب الحل، إذ يقود رئيس مجلس النواب نبيه بري جهودًا حثيثة لاحتواء الانفجار السياسي، في محاولة لمنع انزلاق البلاد إلى الشارع، وبحسب سعد، فإن بري يسعى لـ"جبر ما انكسر"، مدفوعًا بخشيته من استفادة إسرائيل من هذا التصدّع الداخلي.
القرار في غير زمانه: الحدود مشتعلة والضغوط متعددة
يتزامن القرار مع اعتداءات إسرائيلية متكررة على الجنوب اللبناني، آخرها وقع صباح اليوم، ويصف سعد طرح ملف "نزع سلاح المقاومة" في هذا التوقيت بـ"غير المناسب"، مشيرًا إلى أن الأولويات الوطنية يجب أن تتركز على:
التصدي للانتهاكات الإسرائيلية
الانسحاب من النقاط الخمس المحتلة
معالجة سلاح المخيمات الفلسطينية
إنهاء ملف اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم مليوني لاجئ
إنعاش الاقتصاد اللبناني المنهار
احتواء التفلت الأمني المتصاعد
مشهد ضبابي ومسار انحداري
رضا سعد حذر من أن استمرار الضغوط الأمريكية، في ظل هشاشة الداخل اللبناني، قد يجرّ البلاد إلى "مسار طعسي" – أي انزلاق انحداري – إذا لم تنجح مبادرات بري في التليين السياسي.
وأضاف: "ما نراه ليس سوى ملامح أزمة سياسية مركبة، لا يمكن حلها بتجاهل الميثاق الوطني أو عبر ضغوط خارجية أحادية، بل بمقاربة سيادية شاملة تعيد ترتيب الأولويات الوطنية بعيدًا عن لغة الإملاءات والتهديدات."
الميثاق أمام السلاح.. والشارع يترقب
في لحظة مفصلية، يبدو لبنان عالقًا بين سندان الضغوط الدولية ومطرقة الانقسامات الداخلية. والمفارقة أن الحديث عن حصر السلاح بالدولة يتزامن مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وتدهور اجتماعي واقتصادي غير مسبوق، فهل تذهب بيروت إلى التصعيد؟ أم تنجح "الدبلوماسية الداخلية" التي يقودها نبيه بري في لملمة الانقسام وضبط الإيقاع السياسي قبل أن ينفجر في الشارع؟