رغم تحوله إلى طريق محفوف بالموت، لا تزال قوارب المهاجرين تنطلق من القرن الأفريقي نحو السواحل اليمنية، محمّلة بأرواحٍ تبحث عن النجاة، فتجد نفسها في مواجهة الجوع والعطش والغرق.
الحادثة الأخيرة التي وقعت في بحر العرب قبالة اليمن، أعادت تسليط الضوء على هذا المسار الدموي: 250 مهاجراً، أغلبهم من الجنسية الإثيوبية، أُنقذوا بعد أن تعطل قاربهم لسبعة أيام في عرض البحر، توفي خلالها سبعة منهم، في رحلة يفترض ألا تستغرق أكثر من 24 ساعة.
سبق ذلك بأيام مأساة أخرى، أكثر دموية، حين تحطم قارب يحمل 200 مهاجر قبالة سواحل محافظة أبين. فرق الإنقاذ انتشلت جثث 92 شخصاً، ونجا 23، بينما اعتُبر العشرات في عداد المفقودين.
ورغم هذه الفواجع المتكررة، لا تزال القوارب تبحر، وكأن شيئاً لم يحدث.
أكدت المنظمة الدولية للهجرة أن الرحلات البحرية نحو اليمن تسير في ظروف غير إنسانية، حيث يُجبر المهاجرون على استخدام قوارب بدائية، ويُتركون في البحر بلا مؤن كافية. بعض القوارب تعطلت بعد ساعات من انطلاقها، ولم يكن أمام الركاب سوى انتظار الموت أو الريح. سبعة أيام من الرعب مرّت على القارب الأخير قبل أن يُكتشف قرب سواحل شبوة، شرق عدن.
ورغم كل ذلك، ما زال البحر يعجّ بقوارب الهاربين، السبب لا يرتبط فقط بالأمل في الوصول، بل أيضًا بانعدام البدائل، وبتواطؤ شبكات تهريب منظمة تعرف الطريق وتعرف الثغرات الأمنية.
في محافظة أبين، أعلنت القوات الحكومية عن حملة أمنية استهدفت عدداً من المواقع التي يستخدمها المهربون لإيواء المهاجرين. تم القبض على عناصر مسلحة، وضُبطت مركبات تُستخدم في التهريب. كما اندلعت اشتباكات مسلّحة في مديرية لودر مع عصابة خطيرة امتهنت التهريب، ما يشير إلى أن هذه الأنشطة لم تعد فردية أو معزولة، بل منظمة ومحميّة.
المنظمة الدولية للهجرة، ومعها أصوات حقوقية عديدة، أوضحت أن الحل يبدأ من الجذور: مكافحة الفقر والنزاعات في دول المنشأ، وفتح مسارات آمنة للهجرة، وتعزيز التنسيق الإقليمي لمحاربة المهربين.
فمنذ بداية هذا العام وحده، سُجّلت وفاة أو اختفاء أكثر من 350 مهاجراً على الطريق الشرقي، والعدد الحقيقي ربما أعلى بكثير ما لم تُبذل جهود حقيقية لكسر هذه الدائرة، سيظل البحر طريقًا للموت.