من ود النورة.. تهديدات بلا سقف

السودان _ رباب الامين

2025.08.06 - 04:34
Facebook Share
طباعة

في مشهد يحمل أبعاداً رمزية وعسكرية، ظهر رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، اليوم الأربعاء، في قرية ود النورة بولاية الجزيرة، حيث جدد تعهده "بدحر التمرد واستعادة كل شبر من دارفور"، وذلك بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تشهد البلاد على إثرها واحدة من أعنف النزاعات في تاريخها الحديث.


وجاءت زيارة البرهان إلى القرية التي شهدت واحدة من أبشع المجازر المنسوبة إلى "الدعم السريع" في يونيو 2024، تأكيدًا على "الوفاء بوعود التعزية لذوي الشهداء وجرحى المجزرة"، بحسب تصريحه. وأكد في كلمته:

"لن نضع السلاح إلا بعد استئصال هذا التمرد والعدوان الغاشم، وتجفيف منابع المرتزقة".


وكانت وزارة الخارجية السودانية قد أعلنت في يونيو الماضي أن قوات الدعم السريع ارتكبت "مجزرة جماعية" في ود النورة، أسفرت عن مقتل 180 مدنيًا.
وفي حين تنفي الدعم السريع مسؤوليتها، تبقى القرية شاهدًا صامتًا على واحدة من المحطات الدامية للحرب المستمرة.


دارفور... ساحة المعركة الكبرى:

تصريحات البرهان عن "تطهير دارفور" تأتي في وقت تتجه فيه الأنظار مجدداً إلى الإقليم، الذي يشهد تصعيدًا ميدانيًا وعسكريًا لافتًا، بعد ما يقارب العام والنصف من الحرب. دارفور، الغنية بالموارد والممزقة بالصراعات منذ ما يقارب عقدين، كانت دائمًا قلب النزاع السياسي والعسكري في السودان.

ورغم أن الدعم السريع ما زال يحتفظ بسيطرته على أربع من أصل خمس ولايات في الإقليم (عدا وسط دارفور)، إلا أن الوضع بدأ يتغير تدريجيًا مع توسع العمليات العسكرية للجيش السوداني في مناطق أخرى من البلاد، بما في ذلك الخرطوم والنيل الأبيض.

بالمقابل، فإن دارفور لم تكن فقط ساحة قتال تقليدية؛ بل أصبحت موطنًا لفصول جديدة من الانتهاكات، سواء من حيث المجازر بحق المدنيين أو عمليات النزوح الواسعة.

 

خارطة السيطرة تتبدل: انكماش "الدعم السريع" وتمدد الجيش:

وفق تقارير ميدانية وتحليلات عسكرية، فإن خارطة السيطرة بين الطرفين شهدت تحولات كبيرة في الأشهر الأخيرة.

فبينما كان الدعم السريع يسيطر على مساحات واسعة في العاصمة الخرطوم والجزيرة، تراجع حضوره لصالح الجيش الذي استعاد بالفعل ولايتي الخرطوم والجزيرة، إلى جانب النيل الأبيض.

اليوم، وبحسب البيانات الأممية، فإن الدعم السريع بات يتواجد في أجزاء من ولايتي شمال وغرب كردفان، وفي جيوب محدودة من جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة إلى دارفور.

وفي ظل هذا التقدم العسكري، تزداد التقديرات حول احتمال إطلاق الجيش حملة أوسع باتجاه دارفور في الأسابيع المقبلة، ما يفتح الباب إما لحسم عسكري محتمل أو لتصعيد جديد قد يدفع الوضع الإنساني إلى مستويات أكثر كارثية.

 

ثمن الحرب: كارثة إنسانية تتجاوز الحسابات السياسية:


تسببت الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وفقًا لتقارير أممية، بينما أشارت دراسة أعدتها جامعات أمريكية إلى أن عدد القتلى قد يصل إلى 130 ألفًا، في ظل محدودية الوصول للمناطق المتأثرة وانهيار المنظومة الصحية والخدمية.

أما على صعيد النزوح، فقد تجاوز عدد الفارين من منازلهم داخل وخارج البلاد 15 مليونًا، في واحدة من أسوأ أزمات النزوح في إفريقيا.

 

هل تكون دارفور نهاية الحرب أم بدايتها من جديد؟


بينما يتحدث البرهان عن "الوفاء لدماء الشهداء" في ود النورة و"تطهير دارفور"، فإن الواقع الميداني والإنساني يشير إلى أن الحرب دخلت مرحلة جديدة، قد تكون أشد تعقيدًا من ذي قبل.

فهل ستكون دارفور ساحة الحسم لصالح الجيش؟ أم أن تعقيد الإقليم وتركيبته القبلية وتعدد الفاعلين سيجعل من "الاستئصال الكامل للتمرد" مهمة أكثر صعوبة مما يبدو في خطابات القادة؟

الأسابيع القادمة وحدها ستكشف ما إذا كان السودان متجهًا نحو نهاية هذه الحرب، أم أن دارفور ستظل لعنة متجددة في المشهد السوداني. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4