كتبت- أماني إبراهيم
في تطور صادم يمس إحدى أبرز المؤسسات الخيرية المرتبطة بالأمير هاري، أعلن دوق ساسكس انسحابه نهائيًا من مؤسسة "سينتيبالي" التي شارك في تأسيسها عام 2006 لدعم الأطفال والشباب المتأثرين بفيروس نقص المناعة في إفريقيا، وذلك عقب تقرير رسمي كَشف عن أزمات حادة تعصف بالمنظمة.
جاء القرار بعد صدور تقرير لاذع من مفوضية الجمعيات الخيرية البريطانية، كشف عن خلل إداري واسع داخل "سينتيبالي"، تضمن اتهامات بالتنمر والعنصرية وسوء الحوكمة. ووفقًا لما نشرته صحيفة ديلي ميل، فقد حمّل التقرير كلاً من الأمير هاري ورئيسة المؤسسة الدكتورة صوفي تشاندوكا مسؤولية مباشرة عن فشل إدارة الأزمة الداخلية، مما ألحق أضرارًا بالغة بسمعة المؤسسة الإنسانية، خاصة في دول مثل ليسوتو وبوتسوانا.
ورغم أن المفوضية لم تجد "أدلة قاطعة" على وجود تنمر ممنهج أو تمييز عنصري ضد النساء السوداوات، إلا أنها أكدت أن الأزمة تفجرت بسبب ضعف الإدارة، وغموض السياسات الداخلية، والعجز عن احتواء الخلافات، ما أدى إلى استقالة جماعية لعدد من الأمناء، وانسحاب الأمير هاري نفسه في مارس الماضي.
تصريحات متضاربة وتراشق داخلي
وكان الأمير هاري قد ألمح في وقت سابق إلى إمكانية العودة للمؤسسة في حال تحسنت ظروفها، إلا أن متحدثًا باسمه نفى هذا الاحتمال الآن بشكل قاطع، مؤكدًا أن انسحابه نهائي، مع التزامه بمواصلة دعم الأطفال الأفارقة بوسائل بديلة خارج "سينتيبالي".
في المقابل، وصفت رئيسة المؤسسة السابقة، الدكتورة تشاندوكا، نفسها بأنها "مبلغة عن مخالفات"، مؤكدة أنها أبلغت المفوضية بسلسلة انتهاكات، واتهمت الأمير هاري بشن "حملة إعلامية مضادة" أساءت إلى سمعتها، كما كشفت عن رسالة وصفتها بـ"المتعجرفة والفظة" تلقتها منه بعد رفضها طلبًا مباشرًا بالدفاع عن زوجته ميغان ماركل إعلاميًا، على خلفية فعالية بولو خيرية أثارت جدلاً.
خطة إنقاذ ومجلس جديد
في ضوء هذه الأزمة، أعلنت مفوضية الجمعيات الخيرية عن خطة عمل لإصلاح هيكل الحوكمة في "سينتيبالي"، فيما بادرت المؤسسة نفسها بتعيين مجلس أمناء جديد، مع تعهد بإعادة بناء الثقة، وتصحيح المسار، وتحقيق أهدافها الخيرية.
رحيل هاري عن "سينتيبالي" يضع نهاية لعلاقة استمرت قرابة عقدين من الزمن، بدأت بمبادرة إنسانية لامعة، وانتهت بأزمة غير مسبوقة تهدد إرث المؤسسة ومستقبلها.
تأسست مؤسسة "سينتيبالي" عام 2006 بمبادرة من الأمير هاري، دوق ساسكس، والأمير سييسو من ليسوتو، بهدف دعم الأطفال والشباب الأكثر هشاشة في المجتمعات الإفريقية، خصوصًا أولئك المتأثرين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والفقر المدقع. وجاء اسم المؤسسة من اللغة السيسوتو، ويعني "لا تنساني"، كرسالة رمزية للأطفال المنسيين على هامش العالم.
جاءت فكرة التأسيس بعد زيارة مؤثرة قام بها الأمير هاري إلى مملكة ليسوتو، حيث التقى بأطفال أيتام فقدوا ذويهم بسبب المرض أو الفقر، وشهد ظروفهم القاسية عن قرب. وقد شكلت تلك الرحلة نقطة تحول في حياته الشخصية، وألهمته لإطلاق مبادرة إنسانية دائمة، تُعنى بالصحة النفسية والتعليم والدعم الاجتماعي للأطفال.
منذ انطلاقها، وسّعت "سينتيبالي" نطاق عملها لتشمل بوتسوانا لاحقًا، وركزت جهودها على توفير رعاية صحية، وتعليم توعوي، وبرامج لتأهيل المراهقين، إلى جانب تعزيز الوعي بفيروس الإيدز ومحاربة وصمة العار المرتبطة به في المجتمعات المحلية.
وبرغم الدعم الملكي اللافت الذي حظيت به، والذي منحها مكانة بارزة بين المؤسسات الخيرية البريطانية العاملة في إفريقيا، فقد واجهت المؤسسة خلال السنوات الأخيرة تحديات داخلية تتعلق بالإدارة والحوكمة، تصاعدت تدريجيًا إلى أن انفجرت في شكل أزمة علنية انتهت بانسحاب مؤسسها الأبرز، الأمير هاري، ما يلقي بظلال قاتمة على مستقبلها ومصداقيتها الإنسانية.