قصر الرعب: تسريبات إبستين تفضح شبكة نفوذ عالمية ملوثة

شخصيات عربية على القائمة.. وأدلة بصرية تكشف ما خفي في "غرفة التدليك"

2025.08.06 - 02:01
Facebook Share
طباعة

تقرير| أماني إبراهيم


في لحظة أعادت فتح الجرح الأميركي الأكثر إثارة للريبة في العقدين الأخيرين، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن تسريبات جديدة من داخل أرشيف جيفري إبستين، الملياردير المدان بالاتجار بالبشر، والذي وُجد ميتًا في زنزانته عام 2019 في ظروف لا تزال غامضة، الصور والرسائل التي نُشرت للمرة الأولى تفضح حجم التورط الدولي في شبكة إبستين، وتكشف عن علاقات متشابكة مع شخصيات إسرائيلية وعربية، ودوائر قرار أمريكية وأوروبية.

 


جيفري إبستين لم يكن مجرد رجل أعمال ثري، بل شخصية غامضة شديدة النفوذ، ارتبط اسمه بشبكة معقدة من الاستغلال الجنسي للقاصرات، والابتزاز، والعلاقات المريبة مع أقوى رجالات السياسة والمال في العالم.

 

بدأت القصة في أوائل الألفينات، حين بدأ يبرز اسمه في أوساط النخبة

الأمريكية بصفته "مستشارًا ماليًا للأثرياء"، رغم غموض خلفيته المهنية، كان يمتلك طائرة خاصة، جزيرة خاصة في البحر الكاريبي، قصرًا في مانهاتن هو الأضخم سكنيًا في نيويورك، وكان يستضيف حفلات فاخرة يحضرها ساسة، أمراء، ومشاهير، من ضمنهم الأمير البريطاني أندرو، والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، ورجال أعمال نافذون.

 

في عام 2005، بدأت أول خيوط القضية تتكشف عندما تقدمت عائلة فتاة قاصر بشكوى ضده في فلوريدا، متهمة إياه بالاعتداء الجنسي على ابنتهم. التحقيقات حينها كشفت عن شبكة من الفتيات القاصرات، يتم استدراجهن عبر نساء أخريات، وأحيانًا عبر فتيات تم استغلالهن مسبقًا، مقابل المال أو وعود بالشهرة والتعليم، ليتم استغلالهن جنسيًا في ممتلكاته الخاصة.

 

لكن بدلاً من محاكمته على الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي على عشرات القاصرات، تم التوصل إلى "صفقة قانونية سرية" عام 2008 مع الادعاء العام، حصل بموجبها على حكم مخفف جدًا: 13 شهرًا فقط في سجن محلي، مع إذن بالخروج يوميًا للعمل، ومنع تام للضحايا من حضور جلسات المحاكمة أو الاطلاع على تفاصيل الصفقة.

 

لاحقًا، تم الكشف أن هذه الصفقة شارك في إبرامها المدعي العام الفيدرالي آنذاك، ألكسندر أكوستا، الذي أصبح لاحقًا وزير العمل في إدارة ترامب، وهو ما أثار موجة غضب واتهامات بالتواطؤ.

 

لكن في 2019، عادت القضية إلى الواجهة بقوة بعد نشر تحقيق استقصائي ضخم لصحيفة ميامي هيرالد، كشف وجود عشرات وربما مئات الضحايا، وتم توجيه اتهامات جديدة لإبستين تتعلق بالإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي عبر خطوط الولايات الأمريكية.

 

في يوليو 2019، تم القبض عليه مجددًا، لكن بعد أسابيع فقط، عُثر عليه ميتًا في زنزانته في سجن فيدرالي بنيويورك. الرواية الرسمية قالت إنه انتحر، لكن الملابسات كانت مريبة للغاية: الكاميرات لا تعمل، الحراس نيام، وتشريح الجثة أشار إلى كسور لا تحدث عادة في حالات الشنق العادي.

 

وفاته أشعلت عاصفة من الشكوك. هل انتحر فعلًا؟ أم تم إسكاتُه حتى لا يفضح شخصيات نافذة؟ خاصة أنه كان معروفًا بتوثيقه للقاءاته الجنسية وممتلكاته كانت مليئة بالكاميرات المخفية.


وفي كشف جديد يعيد تسليط الضوء على شبكة علاقات جيفري إبستين الواسعة والمعقدة، نشرت صحيفة نيويورك تايمز دفعة من الرسائل والصور الخاصة التي كانت محفوظة في أرشيفه الشخصي، وُثقت كجزء من هدية بمناسبة عيد ميلاده الـ63 عام 2016.

 

وتضم الوثائق رسائل بخط اليد من شخصيات بارزة في السياسة والثقافة، من بينها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك وزوجته، اللذان وصفا إبستين في رسالتهما بـ"جامع البشر"، مشيرين إلى قدرته على الإحاطة بأسرار الجميع، في مقابل احتفاظه بغموضه الخاص. وتمنّيا له "سنوات طويلة من الصحة والضيافة".

 

ومن بين الرسائل أيضًا، واحدة من المخرج الأمريكي الشهير وودي ألين، الذي قدّم تحية لإبستين على "حفلات العشاء الشيقة" التي أقامها في قصره الواقع في أحد أرقى أحياء مانهاتن، قائلاً إنها كانت تستقطب "مزيجًا غريبًا من السياسيين، الأكاديميين، السحرة، الكوميديين، الصحفيين وحتى شخصيات ملكية".

لكن الأكثر إثارة في رسالته كانت ملاحظته على "الضيافة الفاخرة" التي قدمتها – بحسب تعبيره – "نساء شابات جميلات"، شبههن بأتباع دراكولا قائلاً: "كأنهن مصاصات دماء في قلعته، يتحركن بصمت ويقدمن الطعام باحتراف".

إلى جانب هذه الرسائل، كشفت الصور المرفقة مشاهد من داخل قصر إبستين المؤلف من سبعة طوابق، والتي لم تُنشر من قبل، وتُظهر رفاهيته الفاحشة وتفاصيل نمط الحياة الذي ظل محاطًا بسرية محكمة حتى وفاته الغامضة في السجن أثناء انتظار محاكمته في قضايا الاتجار بالبشر واستغلال القاصرات.


الصور المسربة التُقطت من زوايا متعددة في قصر إبستين المكوّن من سبعة طوابق في مانهاتن. أبرز ما فيها غرفة التدليك، التي كانت مسرحًا لانتهاكات بحق قاصرات بحسب عشرات الشهادات، وتضمنت رفوفًا مملوءة بمواد تزييت ولوحات لنساء عاريات. كاميرات المراقبة كانت مفعّلة في غرف النوم وغرفة مجاورة، فيما وُجدت على الجدران صور لإبستين برفقة البابا يوحنا بولس الثاني، وإيلون ماسك، وبيل كلينتون، وستيف بانون، ولاري سمرز، وريتشارد برانسون، وميك جاغر، وغيسلين ماكسويل التي تُقضي حاليًا حكمًا بالسجن لعشرين عامًا بتهم الاتجار الجنسي بالقاصرات.

 

في إحدى الزوايا، ظهرت خريطة كبيرة لإسرائيل موقعة بخط يد باراك، ما يفتح تساؤلات جدية حول طبيعة العلاقات التي نسجها إبستين مع المسؤولين الإسرائيليين، وما إذا كانت لتلك الشبكة أذرع استخبارية أو استثمارية عابرة للحدود. إحدى الصور الأخرى أظهرت ورقة نقدية موقعة من بيل غيتس كُتب عليها "كنت مخطئًا!"، ما وصفته الصحيفة بأنه ربما إشارة إلى رهان مالي أو رمز خفي ضمن دائرة النفوذ.

 

 

تسريبات الصور والرسائل جاءت في توقيت بالغ الحساسية، وسط تصاعد الضغط على وزارة العدل الأمريكية للإفراج عن "قائمة إبستين السوداء"، بعد سنوات من التعتيم والإنكار. دونالد ترامب، الذي كان أحد المقربين سابقًا من إبستين، نفى وجود علاقة وثيقة، لكنه واجه مؤخرًا موجة انتقادات بعد أن كشفت "وول ستريت جورنال" عن بطاقة تهنئة تحمل توقيعه ورسمة لامرأة عارية، كانت ضمن ألبوم عيد ميلاد إبستين عام 2003. ترامب سارع إلى رفع دعوى تشهير، لكنه لم يُقدّم تفسيرًا مقنعًا للرأي العام.

وزارة العدل الأمريكية بدورها لا تزال تلتزم الصمت، على الرغم من أنها أرسلت مؤخرًا نائب المدعي العام ومحامي ترامب السابق، تود بلانش، للقاء سري مع ماكسويل في سجنها لمدة يومين، في محاولة – كما ورد – للتحقق مما إذا كانت تمتلك معلومات قابلة للإدانة بحق شخصيات لا تزال خارج القضبان.

 

ورغم أن وفاة إبستين وُصفت رسميًا بأنها "انتحار"، إلا أن تفاصيل جديدة عن القصر و"غرفة التدليك"، ووجود كاميرات وتسجيلات لم تُفرج عنها السلطات حتى الآن، أعادت الشكوك إلى الواجهة، خصوصًا مع ظهور مؤشرات على تورط أسماء عربية بارزة في علاقات مالية أو لوجستية مع الشبكة.

من داخل قصر مغطى بالحرير والكاميرات والخرائط، ومن رسائل تُكتب بأيدٍ واثقة إلى رجل وُصف بأنه يعرف "كل شيء عن الجميع"، تتكشّف فصول فضيحة لا تعرف حدودًا سياسية ولا جغرافية. وبينما تستمر الصحافة الأمريكية في الضغط لكشف المزيد، يبدو أن العدالة لا تزال رهينة ميزان القوة، لا ميزان القانون.

 

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 10