غاز أذربيجان .. غازٌ سياسي بطعم إعادة الإعمار

سامر الخطيب

2025.08.06 - 12:27
Facebook Share
طباعة

 في تحول استراتيجي طال انتظاره، شهدت سوريا في 2 أغسطس/آب 2025 انطلاق أول دفعة من الغاز الطبيعي الأذربيجاني عبر خط أنابيب جديد يربط مدينة كيليس التركية بمدينة حلب السورية، بتمويل قطري وتنسيق ثلاثي غير مسبوق بين أنقرة ودمشق وباكو.


هذا التطور يُعدّ واحداً من أبرز التحولات في قطاع الطاقة بالشرق الأوسط منذ سنوات، ويطرح تساؤلات كبرى حول مستقبل سوريا الطاقي، والدور الإقليمي الجديد لأذربيجان وتركيا وقطر.


من حقل شاه دنيز إلى حلب
يأتي الغاز من حقل "شاه دنيز" العملاق في بحر قزوين، الذي تديره شركة BP ضمن تحالف دولي. الكمية الأولية المصدرة إلى سوريا تبلغ 1.2 مليار متر مكعب سنويًا، مع خطط للتوسع إلى 2 مليار متر مكعب خلال السنوات القادمة.


يتدفق الغاز عبر شبكة نقل استراتيجية تبدأ من أذربيجان مرورًا بجورجيا وتركيا، حتى يصل إلى مدينة كيليس، ثم إلى محطة ضخ قرب حلب. ويُتوقع أن يرتفع الضخ اليومي تدريجيًا من 3.4 إلى 6 ملايين متر مكعب يوميًا.


تحول كهربائي في الشمال السوري
وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار صرّح بأن المشروع لا يقتصر على الغاز فقط، بل يشمل أيضًا توليد 500 ميغاواط من الكهرباء لتغذية شمال سوريا، ليرتفع إجمالي الطاقة المتاحة إلى نحو 1,700 ميغاواط.


الهدف هو رفع ساعات التغذية الكهربائية من 3-4 ساعات يوميًا إلى نحو 10 ساعات، ما سيحدث تغييرًا جذريًا في الحياة اليومية للسكان، خاصة في مناطق كحلب وريفها.


التمويل من الدوحة... والدلالات من أنقرة
قطر تولت تمويل المشروع ضمن حزمة دعم لإعادة الإعمار في سوريا، بلغت قيمتها ما بين 1.5 إلى 2 مليار دولار. كما أعلن صندوق قطر للتنمية عن إطلاق المرحلة الثانية من دعم الكهرباء في سوريا بقدرة 800 ميغاواط إضافية.


الدور القطري لا ينفصل عن رؤية أوسع لإعادة تموضعها في خارطة الشرق الأوسط، وتوسيع نفوذها في الملف السوري، لا سيما مع تراجع أدوار أطراف دولية أخرى.


سوريا على مفترق طرق طاقي
بيانات وكالة الطاقة الأميركية تشير إلى أن استهلاك سوريا من الغاز الطبيعي عام 2023 بلغ نحو 3.08 مليار متر مكعب، وهو أقل من نصف ما كانت تستهلكه قبل عام 2011. وبالمقابل، انخفض الإنتاج المحلي بشكل حاد، مما يجعل الاعتماد على الغاز المستورد ضرورة لا ترفًا.


الخط الجديد قد يكون شريان حياة لاقتصاد متهالك، وسيسمح بتزويد منشآت حيوية، كمصانع ومحطات توليد ومستشفيات.


نفوذ جديد... ومخاوف قديمة
المشروع لا يخلو من حساسيات إقليمية؛ إذ يُنظر إليه في طهران وموسكو كخطوة جيوسياسية تضعف نفوذهما التقليدي في سوريا. كما أبدت طهران انزعاجاً من تمدد نفوذ أذربيجان وتركيا، خاصة مع دعم قطري واضح.


من جهة أخرى، فإن نجاح المشروع سيعتمد على الاستقرار الأمني في شمال سوريا، وضمان حماية خط الأنابيب من الجماعات المسلحة، وهو تحدٍ ليس بالبسيط.


صندوق إعمار جديد لدعم الداخل السوري
وفقًا لصحيفة "يني شفق" التركية، من المنتظر أن تُستخدم عوائد رسوم مرور الغاز في تمويل مشاريع خدمية، مثل إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والبنى التحتية، عبر صندوق إعمار مشترك بين تركيا والسلطات المحلية في الشمال السوري.


هل يُعيد الغاز رسم خريطة سوريا؟
بعيدًا عن الأرقام والسياسة، فإن خط كيليس – حلب لا يمثل مجرد مشروع طاقة، بل إعلانًا عن ولادة مشهد جديد في سوريا، تتداخل فيه السياسة والاقتصاد والدبلوماسية.


إنه أول خيط في شبكة طاقة إقليمية جديدة، تجعل من سوريا معبرًا لا يمكن تجاهله، وتفتح الباب لمرحلة من الاستثمار بدلاً من النزاع، والبناء بدلاً من الهدم.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 7