كتبت- أماني إبراهيم
في قطاع يتضور فيه أكثر من مليوني إنسان جوعًا، تتكشّف الحقيقة القاتمة لمؤسسة وُلدت على أنقاض الكرامة، ورفعت لافتة "الإنسانية" كغطاء لمخططات عسكرية استخباراتية، دعا 19 خبيرًا ومقررًا أمميًا إلى تفكيك فوري لمؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، بعد اتهامات مباشرة لها بتحويل المساعدات إلى أدوات سيطرة واستهداف، في خرق سافر للقانون الدولي.
منظمة بلا هوية.. وتوزيع مشبوه للموت
تأسست المؤسسة في مايو/أيار 2025 بعد تخفيف مؤقت للحصار الإسرائيلي الشامل على غزة، وقدّمت نفسها كمنظمة غير حكومية معنية بتوزيع الغذاء. لكنها، وخلال ثلاثة أشهر فقط، تحولت إلى رمز للفوضى والإهانة الإنسانية.
تقول المنظمة إنها وزّعت 1.76 مليون صندوق غذائي، بينما تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من ألف فلسطيني قُتلوا وهم ينتظرون هذه"المساعدات"، ثلاث أرباعهم بالقرب من نقاط توزيع تتبع المؤسسة.
علب غذاء تحت رقابة عسكرية
الخبراء الأمميون، ومن بينهم فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية، اتهموا المؤسسة بـ"تسخير المساعدات لأجندات عسكرية وجيوسياسية خفية"، مشيرين إلى تورط الاستخبارات الإسرائيلية ومتعاقدين أمريكيين وكيانات ضبابية في إدارة هذه الشبكة.
وحذروا من أن استمرار هذا النموذج "يعني إعدام مصداقية العمل الإنساني عالميًا، وتحويل فكرة الإغاثة نفسها إلى ضحية لحروب هجينة".
التسمية كذبة.. والهدف تشويه المبدأ
قال بيان الخبراء إن اختيار اسم "غزة الإنسانية" لم يكن صدفة، بل محاولة تضليل متعمّدة تهدف إلى تشويه المبادئ الإنسانية وتقويض ثقة الفلسطينيين بالمساعدات. واعتبروا أن المنظمة تمثل حالة "تحقير ممنهج لمعايير الإغاثة"، مناشدين الأمم المتحدة بتولي زمام عمليات التوزيع في غزة بدلاً من هذه الكيانات المشبوهة.
الجوعى هدف.. لا متلقوْن
المؤسسة، بدلًا من أن تكون ملاذًا للناجين، تحوّلت إلى مصيدة مفتوحة للمدنيين، قوافل الطعام صارت طُعْمًا للهجوم، والازدحام حول نقاط التوزيع صار مشهدًا مكرورًا للمذابح.
يقول تقرير لمكتب حقوق الإنسان الأممي في 22 يوليو/تموز إن استهداف الجائعين "ليس خطأ فرديًا"، بل سياسة متعمّدة مرتبطة بطريقة توزيع هذه المؤسسة بالذات.
تواطؤ رسمي.. ورد ناعم
في المقابل، يواصل الاحتلال ترويج المؤسسة باعتبارها نموذجًا للتعاون الدولي، وقال مديرها التنفيذي، الأمريكي جون أكري، يوم الاثنين: "نحن نملك القدرة على توسيع نطاق المساعدات وندعو المنظمات الدولية للانضمام إلينا".
لكن هذا "النداء" قوبل بصمت رسمي دولي شبه تام، باستثناء عدد محدود من الأصوات التي عبّرت عن "القلق" دون إجراءات عملية.
مواساة في غزة.. ومناشدة للمقاطعة
وفي ظل الفوضى المتصاعدة، يواجه سكان غزة تحديات مركبة تمزج بين الجوع وانعدام الثقة والخطر الأمني. فالأمن الغذائي بات شبه معدوم، والثقة في أي مظلة إغاثية تتآكل يومًا بعد يوم، بعدما تحوّلت المساعدات إلى أداة إذلال لا نجاة، والأسوأ، أن المعابر التي يُفترض أن تكون شريان حياة، تُستغل اليوم لفرض ولاءات سياسية وتغذية شبكات التجنيد الاستخباري، في مشهد يتقاطع فيه الخبز مع الخداع.
تقول تقارير إعلامية مستقلة إن بعض المناطق "لا يصلها شيء إلا عبر مؤسسة غزة الإنسانية"، ما يجعل السكان رهائن لمنظومة تفرض الجوع ثم تتظاهر بإغاثته.
دعوة أممية للمحاسبة
طالب الخبراء بإجراء تحقيقات دولية شفافة في عمليات القتل، ومحاسبة القائمين على المؤسسة، ومنح الوكالات الأممية والمنظمات المدنية المخضرمة صلاحية إدارة الإغاثة دون تدخلات سياسية أو عسكرية.
"مؤسسة غزة الإنسانية" ليست مؤسسة إنسانية، بل أداة قمع ناعمة ومسرح مفتوح لاستغلال الموت والجوع لأهداف سياسية، تحت مسمى "المساعدات"، تجري عمليات تصفية ميدانية وإذلال جماعي. والمطلوب ليس تحسين أدائها، بل تفكيكها فورًا وإحالتها إلى المحاكمات الدولية.