كشفت منصة "تيك توك" في تقريرها للربع الأول من عام 2025 عن حذف أكثر من 39.6 مليون مقطع فيديو من دول عربية، في رقم غير مسبوق أثار تساؤلات حول طبيعة المحتوى المستهدف، وحدود حرية التعبير الرقمية في المنطقة. التقرير أظهر أن العراق تصدّر المشهد عربيًا، متجاوزًا حتى دولًا كبرى من حيث عدد السكان مثل الولايات المتحدة والبرازيل، في وقت جاءت فيه الجزائر وليبيا في المراتب التالية، لتمثل الدول الثلاث وحدها نحو 60% من مجمل المقاطع العربية المحذوفة.
وفيما لم يتضمن التقرير تفاصيل دقيقة عن كل الدول العربية، أورد أن دولًا مثل السعودية ومصر والسودان ولبنان والإمارات واليمن كانت أيضًا ضمن القائمة الأعلى من حيث عدد المقاطع المحذوفة، بينما غابت دول أخرى كالأردن وسلطنة عمان وسوريا. ومن المثير أن العراق وحده شهد حذف أكثر من عشرة ملايين مقطع خلال ثلاثة أشهر فقط، ما يطرح علامات استفهام حول محتوى هذه المواد المحذوفة، وما إذا كان الطابع السياسي أو الاجتماعي لها هو العامل الرئيس وراء قرارات الحذف، خاصة مع تصاعد حملات التضييق على المحتوى المعارض أو الحساس في عدة دول.
وبحسب تقرير "تيك توك"، فإن أكثر من 99% من المحتوى المخالف تم حذفه قبل أن يتم الإبلاغ عنه، وأكثر من 90% تمّت إزالته قبل أن يحصل على أي مشاهدة. كما تم تنفيذ 94% من عمليات الحذف خلال أقل من 24 ساعة، وهو ما يشير إلى الاعتماد المكثف على أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلّم الآلي في مراجعة المحتوى. وأشارت المنصة أيضًا إلى حذف أكثر من 19 مليون بث مباشر خلال نفس الفترة، في زيادة بنسبة 50% عن الربع السابق.
هذا الحجم من الإزالات، خاصة في الدول العربية، يفتح نقاشًا واسعًا حول سياسات الإشراف على المحتوى، والتوازن بين حماية المجتمعات من الانتهاكات الرقمية، وبين ضمان حرية التعبير في فضاء رقمي بات يمثل المتنفس الأول لشعوب تعاني في بعض الأحيان من غياب المنابر الإعلامية المستقلة أو الرقابة التقليدية. وتبقى الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كانت هذه الإزالات تتم بناء على معايير فنية بحتة، أم أنها تخضع لضغوط سياسية أو شكاوى حكومية كما جرى في حوادث سابقة.
في المحصلة، يظهر من التقرير أن "تيك توك" بات يمارس رقابة صارمة على المحتوى العربي، وسط بيئة تقنية وتشريعية لم تُحدَّد ملامحها بوضوح حتى الآن، وهو ما قد يُعزز الشعور المتنامي لدى البعض بأن منصات التواصل الاجتماعي، بدلًا من أن تكون أدوات لتحرير الخطاب العام، قد تتحول تدريجيًا إلى ساحات رقابة رقمية غير معلنة.