كتبت – أماني إبراهيم
تصاعدت الضغوط السياسية داخل بلجيكا ضد إسرائيل، بعد أن دعا حزبان من مكونات الائتلاف الحاكم إلى فرض عقوبات اقتصادية صارمة ووقف فوري لكل أشكال الدعم الذي تقدمه الشركات البلجيكية العاملة في الأراضي المحتلة.
وجاءت الدعوة من كل من الحزب الديمقراطي المسيحي الفلمنكي (CD&V)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي "فورويت"، اللذين طالبا بوقف الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية عبر وكالة التجارة والاستثمار الفلمنكية (FIT)، بسبب ما وصفاه بـ"التواطؤ غير المباشر في جرائم تُرتكب بحق المدنيين في قطاع غزة".
جلسة برلمانية حاسمة في فلاندر
ومن المقرر أن يعقد البرلمان الإقليمي في فلاندر جلسة في 14 أغسطس الجاري لمناقشة الوضع في غزة، وسط توقعات بأن تشمل توصيات بتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ووقف التعاون الأكاديمي والعلمي معها.
ورغم أن السياسة الخارجية تُدار من الحكومة الفيدرالية، فإن الإقليم يتمتع بصلاحيات اقتصادية مستقلة، ويملك أدوات فعّالة لتعليق الدعم المؤسسي أو التمويل للشركات الإسرائيلية.
موقف الحزبين: لا تجارة مع قصف الأطفال
الحزب الديمقراطي المسيحي، أكد إن استمرار العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل يتناقض بشكل صارخ مع المبادئ الإنسانية الأساسية، مضيفًا: "لا يمكننا الترويج للتجارة مع دولة تُتهم بارتكاب جرائم ضد المدنيين كل يوم".
بدوره، اعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن وكالة FIT الفلمنكية يجب أن تنهي فورًا كل أشكال دعمها للصادرات أو الاستثمارات الموجهة لإسرائيل.
خلفية: ضغوط متزايدة على حكومة دي كرو
رغم اتساع رقعة الانتقادات، فإن رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو لم يعلن حتى الآن نية حكومته فرض عقوبات شاملة، في وقت يُتهم فيه بالتماهي مع الموقف الأوروبي المتردد.
لكن الضغوط تتزايد، خاصة بعد أن أصدرت محكمة في بروكسل مؤخرًا
قرارًا قضائيًا بوقف عبور شحنات ذات استخدام عسكري إلى إسرائيل، وغرّمت سلطات الشحن الفلمنكية 50 ألف يورو عن كل انتهاك.
ويُعد هذا الحكم انتصارًا قانونيًا للمنظمات الحقوقية في البلاد، ويمنح دفعة قوية لدعوات المقاطعة ومطالب وقف تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج.
السياق الأوروبي: عزلة دبلوماسية متنامية
وتأتي هذه التطورات في وقت يزداد فيه التوتر بين إسرائيل ودول أوروبية، بعد أن علّقت كل من إسبانيا وهولندا تعاونها العسكري مع تل أبيب، ودعت عدة عواصم أوروبية إلى مراجعة الاتفاقيات الثنائية، لا سيما بعد توثيق انتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين في غزة منذ أكتوبر الماضي.
بلجيكا، التي تُعرف تقليديًا بمواقفها التقدمية في القضايا الحقوقية، تبدو الآن أقرب من أي وقت مضى إلى تحرك رسمي يضع قيودًا حقيقية على التعاون مع إسرائيل.
هل تتّجه بلجيكا إلى فرض عقوبات شاملة؟
ورغم التباينات داخل الحكومة الفيدرالية، إلا أن المعطيات الميدانية والضغط البرلماني والحقوقي قد يدفع بلجيكا إلى الانضمام تدريجيًا إلى محور أوروبي يطالب بـ"وقف الدعم غير المشروط" لإسرائيل، خصوصًا مع استمرار العمليات العسكرية وسقوط آلاف المدنيين في غزة.
الجلسة المقبلة للبرلمان الفلمنكي ستكون اختبارًا حاسمًا، وقد تمهّد لتحول بلجيكي واسع في العلاقة مع تل أبيب، إذا ما وُوجهت المطالب الحزبية بتأييد شعبي ومؤسسي كافٍ.
ومع تصاعد الدعوات داخل البرلمان والإعلام والنقابات، تبرز بلجيكا اليوم كأحد أبرز الأصوات الأوروبية التي تتخذ مواقف علنية وحاسمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتطالب بوقف الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لتل أبيب.
وفي وقت تلتزم فيه بعض العواصم الأوروبية الصمت أو التوازن، تتحرك بروكسل بخطى ثابتة نحو مساءلة إسرائيل سياسيًا وقانونيًا، في ملف بات يختبر فعليًا مصداقية الغرب في الدفاع عن حقوق الإنسان.