الفاشر تنزف تحت الحصار: مشهد من الكارثة الإنسانية في السودان

الفاشر _ رباب الامين

2025.08.04 - 07:05
Facebook Share
طباعة

في شمال غرب السودان، وتحديداً على بعد نحو 800 كيلومتر من الخرطوم، تقع مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
كانت المدينة مركزاً تاريخياً وسياسياً واقتصادياً للإقليم، لكنها اليوم تتحول تدريجياً إلى بؤرة كارثية تعكس المأساة السودانية في أقسى صورها.

 

مدينة تحت النار والمطر:

 

منذ مايو الماضي، اشتدت وتيرة القتال حول الفاشر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وقد أصبحت المدينة، وهي آخر حواضر دارفور التي كانت لا تزال تحت سيطرة الحكومة، محاصرة من عدة جهات ومع دخول موسم الأمطار، تدهور الوضع الإنساني بشكل كارثي، وسط غياب تام للخدمات الأساسية، واستمرار القصف المتبادل داخل أحياء سكنية مأهولة بالمدنيين والنازحين.

 

الأرقام تتحدث عن مجزرة صامتة:

 

بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، فإن عدد القتلى في الفاشر منذ بدء التصعيد في مايو فقط تجاوز 1200 شخص، بينهم ما لا يقل عن 270 امرأة و180 طفلاً كما تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 5000 جريح داخل المدينة، دون توفر الحد الأدنى من الرعاية الطبية، حيث دُمرت أو أُغلقت معظم المستشفيات والمرافق الصحية.

تقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود أكد أن الوضع الصحي في الفاشر "يقترب من الانهيار الكامل"، حيث سجلت المنظمة 2500 حالة إصابة بالكوليرا منذ منتصف يونيو، إضافة إلى آلاف الحالات الأخرى لأمراض الإسهالات الحادة، الملاريا، وسوء التغذية، لا سيما بين الأطفال دون سن الخامسة.


المجاعة تطرق الأبواب:

 

أزمة الغذاء في الفاشر تفجرت على نحو غير مسبوق. فبحسب برنامج الغذاء العالمي (WFP)، فإن 70% من سكان المدينة لا يملكون إمكانية الوصول إلى الغذاء الكافي، وأن الأسعار ارتفعت بنسبة 500% مقارنة بالمتوسط الوطني، بسبب الحصار وتعطل الإمدادات، وقد تعرضت أكثر من قافلة مساعدات كانت تحاول دخول المدينة إلى هجمات مسلحة ونهب، ما أدى إلى توقف شبه كامل في الدعم الإنساني.


يشير تقييم للمجلس النرويجي للاجئين إلى أن أكثر من 85% من سكان الفاشر لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، وأن المراحيض ومرافق الصرف الصحي تكاد تكون معدومة في مخيمات النازحين. الوضع البيئي الملوث، إلى جانب نقص الغذاء والمطر المتواصل، يجعل من المدينة بيئة خصبة لتفشي الأمراض والأوبئة.


المرافق.. أهداف في مرمى النار:


المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ومخازن الغذاء لم تسلم من القصف ووفقاً لتقارير منظمات دولية، فإن أكثر من 60 مرفقًا عامًا دُمر وتضرر خلال الأسابيع الماضية.
المستشفى التعليمي الرئيسي في الفاشر، الذي كان يخدم آلاف المرضى، خرج عن الخدمة بعد تعرضه للقصف، كما أُغلقت معظم مراكز التغذية العلاجية للأطفال بسبب انعدام الأمن ونقص الإمدادات.


النساء والأطفال في عين العاصفة:


في هذه المدينة المنهكة، تشكل النساء والأطفال أكثر من 65% من مجموع المتضررين. تشير تقارير منظمة اليونيسيف إلى أن نحو 150 ألف طفل يعيشون في أوضاع إنسانية "بالغة الخطورة"، وأن خطر الموت بسبب الجوع أو المرض يهدد الآلاف منهم. أما النساء، فهنّ يتحملن العبء الأكبر من النزوح والافتقار للرعاية الصحية، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات الحمل دون إشراف طبي، وانتشار أمراض مرتبطة بانعدام النظافة.


نداءات عاجلة.. وأبواب مغلقة:

 

على الرغم من النداءات المتكررة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئات الإغاثة، إلا أن الاستجابة الفعلية على الأرض لا تزال شبه معدومة.
فقد دعت الأمم المتحدة إلى هدنة إنسانية مؤقتة مع بداية موسم الأمطار، للسماح بدخول المساعدات وتقديم الخدمات، لكن قوات الدعم السريع رفضت هذه الدعوة، واستمرت المعارك داخل الأحياء المكتظة بالسكان.


كما أوضحت منظمة أطباء بلا حدود أن الأوضاع لا يمكن أن تستمر على هذا النحو دون نتائج كارثية، مطالبة بإدخال اللقاحات اللازمة لاحتواء تفشي الكوليرا، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة لإجلاء الجرحى والنساء الحوامل، وتوزيع الإمدادات الطبية والغذائية.


مأساة مفتوحة على المجهول:


الفاشر اليوم ليست فقط مدينة تحت القصف، بل منطقة معزولة عن العالم، تغرق في الطين والدماء والكوليرا. مأساة لا تتوقف عند عدد الضحايا، بل تتوسع يوميًا بصمت، في ظل غياب الإرادة الدولية لوقف نزيف الحرب أو حماية المدنيين المحاصرين.


في قلب هذه المدينة التي تعاني تحت المطر، تتجسد الكارثة السودانية على نحو مكثف. إنها نداء مفتوح للإنسانية، وللعالم الذي لا يزال يتفرج من بعيد، بينما تسقط الفاشر كل يوم. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 1