هل يغيّر الغاز الأذري معادلة الكهرباء في سوريا؟

رزان الحاج

2025.08.04 - 02:11
Facebook Share
طباعة

 تشهد سوريا تطورًا لافتًا في ملف الطاقة، بعد بدء ضخ الغاز الأذربيجاني إلى البلاد عبر الأراضي التركية، ضمن مشروع إقليمي واسع يشمل تعاونًا مع أذربيجان وتركيا وبدعم من دولة قطر. ويُعوَّل على هذه الخطوة لتخفيف أزمة الكهرباء الخانقة التي عانت منها البلاد لسنوات طويلة، في ظل دمار البنية التحتية ونقص مصادر الطاقة المحلية.


بداية الانفراج... ولكن بشروط
رغم وصول الغاز، لم تبدأ بعد عملية توليد الكهرباء فعليًا عبر الشبكة الوطنية. الجهات الفنية المشرفة على المشروع تركز حاليًا على تثبيت الضغط في الشبكة وضمان استقرار عملية الضخ، وذلك لتفادي أي اختناقات أو مشاكل تقنية قد تؤخر تشغيل محطات التوليد.


عملية المعايرة والتوازن بين شبكة الضخ التركية ونظيرتها السورية تُعد خطوة ضرورية لتأمين ربط سلس وآمن بين الجانبين. وبعد انتهاء هذه المرحلة، من المتوقع أن تبدأ عملية توليد الكهرباء في غضون ستة أيام، وفق التقديرات الفنية، وذلك بمجرد تأمين الكمية اليومية من الغاز المطلوبة لتشغيل المحطات، والتي تبلغ نحو 3.4 ملايين متر مكعب.


ماذا تعني هذه الأرقام للمواطنين؟
في المرحلة الأولى، يُتوقع أن يتم توليد ما بين 700 و900 ميغاواط من الكهرباء يوميًا، وهو ما سيؤدي إلى تحسين واضح في ساعات التغذية المنزلية، إذ من المحتمل أن تصل إلى ما بين 8 و10 ساعات يوميًا، مقارنة بساعات التقنين الطويلة التي عانى منها السكان خلال السنوات الماضية.


هذا التحسن المتوقع لا يقتصر فقط على الاستهلاك المنزلي، بل يشمل القطاعات الإنتاجية، والخدمية، والتعليمية، ما قد ينعكس إيجابًا على الدورة الاقتصادية، ويمنح دفعة جديدة لمحاولات الإعمار والاستقرار.


مشروع إقليمي بأبعاد استراتيجية
المشروع، الذي انطلق رسميًا من محطة "قره مزرعة" الواقعة شمالي حلب، على الحدود السورية التركية، يمثل أكثر من مجرد صفقة طاقة. فهو يجسد تحولًا في خريطة العلاقات الإقليمية، ويعكس بداية انخراط سوريا في منظومة تعاون اقتصادي وطاقة واسعة، تمتد من بحر قزوين إلى شرق المتوسط.


الخط الجديد قادر على نقل 6 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا عند تشغيله بكامل طاقته، وهو ما يغطي احتياجات حوالي 3 ملايين منزل سوري. في المرحلة الأولى، يتم تصدير 3.4 ملايين متر مكعب يوميًا، ما يرفع قدرة الإنتاج بنحو 750 ميغاواط، ويمنح المشتركين نحو أربع ساعات إضافية من الكهرباء يوميًا.


المشروع ينفذ بدعم تقني وتمويلي من صندوق قطر للتنمية، ويأتي ضمن إطار تنسيق إقليمي هدفه دعم استقرار سوريا وتمهيد الطريق أمام عودة المهجّرين، عبر تحسين مستوى المعيشة وتوفير بنية تحتية أكثر استدامة.


تركيا كممر حيوي
تلعب تركيا دورًا محوريًا في هذا المشروع، باعتبارها دولة العبور الأساسية للغاز الأذربيجاني إلى سوريا. وأعلنت أن قدرتها التصديرية لسوريا يمكن أن تصل إلى ملياري متر مكعب سنويًا، وهي كمية تكفي لتلبية احتياجات أكثر من 5 ملايين أسرة، ما يشكل شريانًا استراتيجيًا يربط بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط.


المرحلة التالية من المشروع، بعد اكتمال الربط الفني والتقني، سترفع طاقة الضخ لتوليد نحو 861 ميغاواط، وهي كمية يمكن أن تغطي احتياجات 1.6 مليون أسرة سورية.


ماذا بعد؟
ورغم الترحيب الحذر بهذه الخطوة، فإن هناك العديد من التحديات التي قد تؤخر أو تحد من نتائجها على المدى القريب. من أبرز هذه التحديات: تأهيل محطات التوليد، وصيانة الشبكات الداخلية، والتغلب على مشكلة الفاقد الكهربائي، إضافة إلى الحاجة لتأمين شبكات توزيع عادلة وفعالة في جميع المناطق السورية.


إضافة إلى ذلك، فإن هذا التحسن المتوقع مرتبط بمدى استمرارية الإمدادات وثبات الدعم السياسي والفني للمشروع. فأي توتر في العلاقات أو خلل في الالتزام بالإمدادات قد يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، ويقوض الآمال بتحقيق استقرار كهربائي دائم.


نقطة بداية لا نهاية
بالنظر إلى الأزمة العميقة التي مر بها قطاع الكهرباء في سوريا، فإن أي خطوة باتجاه التحسن تُعد إنجازًا نسبيًا. ضخ الغاز الأذربيجاني ليس حلًا سحريًا، لكنه يشكل فرصة جدية لإعادة تنظيم قطاع الطاقة، وجعل الكهرباء أداة دعم للحياة اليومية والتنمية الاقتصادية، بدلًا من أن تكون عبئًا متواصلًا على الناس والدولة.


ويبقى السؤال: هل تستطيع سوريا البناء على هذه الخطوة؟ أم أن الأمر سيبقى مجرد مشروع مرحلي في ظل تعقيدات السياسة والاقتصاد؟
الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3