سوريا بين الشعارات والكفاءات المفقودة

رزان الحاج

2025.08.04 - 01:57
Facebook Share
طباعة

 مع انطلاق المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة جديدة في سوريا، طُرحت الكثير من الوعود حول الكفاءة والتكنوقراط، لكن الواقع كشف عن فجوة كبيرة بين الخطاب والممارسة. فما زالت مراكز صنع القرار تعاني من غياب الكفاءات المتخصصة، وسط استمرار نمط إداري يعتمد على المحسوبيات والتعيينات السياسية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى عقول مهنية قادرة على مواجهة تحديات الانهيار والتعافي.


التكنوقراط.. عنوان بلا مضمون
رغم إعلان التوجه نحو "حكومة تكنوقراط"، إلا أن التعيينات التي أعقبت التشكيل الحكومي أثارت تساؤلات واسعة، خاصة مع غياب وجوه ذات خلفية أكاديمية أو مهنية واضحة عن مواقع المسؤولية. وقد أدى ذلك إلى حالة من القلق لدى شرائح واسعة من المجتمع، تخشى من تكرار النمط القديم نفسه الذي أنتج الفساد والتراجع المؤسساتي.


المرحلة الحالية، بما تحمله من انفتاح نسبي على الخارج واهتمام دولي بإعادة الإعمار، تفرض شروطًا واضحة: قرارات مدروسة، استراتيجيات واضحة، وقيادات تمتلك من المعرفة والخبرة ما يؤهلها لصياغة حلول واقعية لمشاكل مركبة، في الأمن، والطاقة، والتعليم، والاقتصاد.


فجوة في الشرعية.. الإنجاز هو المعيار
التمثيل السياسي وحده لم يعد كافيًا لكسب ثقة الناس. المواطن السوري، الذي خرج من أتون نزاع دمّر مؤسسات الدولة، بات يبحث عن أثر مباشر في حياته: تحسّن في الكهرباء، فرص عمل حقيقية، أمن يومي، وخدمات أساسية.


في هذا السياق، تصبح شرعية الحكومة مرتبطة مباشرة بـ"شرعية الإنجاز". أي أن القبول الشعبي مرهون بمدى قدرة الحكومة على إدارة الموارد بكفاءة، والاستجابة لحاجات المواطنين، أكثر من ارتباطه بأي انتماء سياسي أو شعار ثوري.


الكفاءة أولًا: ضرورة لا ترف
من أكبر التحديات التي تواجه المؤسسات السورية اليوم هو غياب الكفاءات عن المواقع القيادية. القرارات التي تُتخذ دون خبرة غالبًا ما تكون مرتجلة، تفتقر للرؤية، وتؤدي إلى نتائج قصيرة الأمد أو فاشلة بالكامل.


الاعتماد على مؤهلين أكاديميين، ومتخصصين في الحوكمة والإدارة، يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا في جودة السياسات العامة. فهؤلاء يمتلكون أدوات تحليل المشكلات، ووضع خطط واقعية، وقيادة الفرق نحو التنفيذ المدروس.


التشاركية طريق العدالة والاستقرار
إشراك النخب الوطنية في عملية صنع القرار لا يحقق فقط فعالية إدارية، بل يؤسس لحالة من العدالة السياسية والاجتماعية، تمنع التهميش، وتُشعر المواطنين بأنهم جزء من الحل لا مجرد متلقين للقرارات.


التشاركية تضمن أن تكون السياسات شاملة لكل فئات المجتمع، وتمنع هيمنة فئة أو جهة واحدة على مستقبل البلاد. كما تسهم في خلق بيئة حوار حقيقي، تقلل من فرص الصدام، وتعزز الانتماء الوطني.


نتائج الإقصاء: هدر واستنزاف
تجاهل الكفاءات لا يمر دون ثمن. فالإقصاء يولّد الإحباط، ويدفع العقول نحو الهجرة أو العزوف عن المشاركة، مما يُضعف قدرة الدولة على توليد حلول جديدة، ويعيد إنتاج الأزمات نفسها بشكل دوري.


كما يؤدي غياب النخب عن مواقع القرار إلى فقدان فرص ثمينة، سواء في التعاون الدولي أو الاستثمار، لأن الدول والمؤسسات لا تثق بأنصاف الحلول أو إدارات غير مهنية.


إصلاح الإدارة أولوية وطنية
التغيير المطلوب اليوم لا يتوقف عند الخطاب، بل يتطلب مراجعة شاملة للهياكل الإدارية، وإعادة توزيع السلطات داخل المؤسسات، وإيجاد آليات شفافة لاختيار المسؤولين على أساس الكفاءة لا الولاء.


نجاح أي حكومة في سوريا لن يكون ممكنًا ما لم تُفتح الأبواب أمام العقول السورية المتخصصة، ويتم تجاوز منطق الحزب الواحد أو الجهة الوحيدة التي تُقرر وتُنفذ دون رقابة أو محاسبة.


نحو مرحلة جديدة
سوريا، بكل مكوناتها وتنوعها، بحاجة إلى مشروع وطني جامع، ينظر إلى التعددية كمصدر غنى لا كخطر، ويؤسس لدولة قانون تشارك فيها كل الفئات، بعيدًا عن التهميش أو الاستئثار.


وإشراك الكفاءات في مراكز القرار هو حجر الأساس لهذا المشروع. فبغيابهم، ستبقى البلاد تدور في دوامة الشعارات، وستتكرر الأخطاء ذاتها التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4