كتبت- أماني إبراهيم
تتجه أنظار العالم مجددًا نحو قطاع غزة حيث تتصاعد التحذيرات الدولية من مجاعة شاملة تفتك بالسكان في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات الإنسانية، بينما تتعثر مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وسط حالة من الجمود السياسي والضغط المتزايد على الحكومة الإسرائيلية من حلفائها في الغرب.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أفادت بأن لهجة المسؤولين في واشنطن وتل أبيب قد تغيرت بشكل لافت، على وقع تزايد الانتقادات الدولية وتردي صورة إسرائيل عالميًا. أشارت الصحيفة إلى أن الحديث عن صفقة شاملة بات يتردد في التصريحات الرسمية، غير أن الفجوة بين موقفي حماس وإسرائيل لا تزال واسعة، في وقت يرى فيه مراقبون أن التوجه الجديد نحو تسوية قد يصطدم بعقبات سياسية وأمنية شديدة التعقيد.
وفي السياق ذاته، حذرت صحيفة هآرتس من أن مقاطع الفيديو التي نشرتها كتائب القسام حول الأسير الإسرائيلي أفيتار دافيد تُظهر أن الوقت ينفد، مشيرة إلى أن بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية يبدون لا مبالاة تجاه ملف الأسرى، إذ يربطون معالجته بتحقيق "النصر الكامل". وأكدت الصحيفة أن هذا التوجه يهدد حياة الأسرى ويقوّض فرص أي اختراق تفاوضي، مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف بالتحرك الجاد لوقف المماطلة الإسرائيلية، محذّرة من أن الرهان على رئيس وزراء "مطلوب للعدالة الدولية" لن يفضي إلى أي تقدم.
من جهتها، نشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيقًا حول الدعم الإسرائيلي المتزايد لتشكيلات مسلحة في جنوب قطاع غزة، واصفة هذه السياسة بأنها محاولة لإضعاف حماس من الداخل عبر تقسيم الصف الوطني الفلسطيني، وهي سياسة قالت إنها مستوحاة من الأساليب الاستعمارية البريطانية القديمة. وحذّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون سابقون من أن هذه المجموعات قد تنقلب مستقبلًا على إسرائيل وتخرج عن السيطرة، مما يفتح الباب أمام فوضى أمنية جديدة.
على الجانب الإعلامي والدبلوماسي، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إسرائيل تعاني من أسوأ أزمة إعلامية ودبلوماسية منذ عقود، بسبب غياب الكفاءات وخضوع المؤسسات الرسمية لأشخاص "عديمي الخبرة" وموظفين "من الصفوف الدنيا" لم يتمكنوا من الدفاع عن صورة الدولة في المحافل الدولية. وأضافت الصحيفة أن إسرائيل تخسر معركة الرأي العام بشكل غير مسبوق على خلفية ما يجري في غزة.
وفي تطور لافت، كشفت صحيفة غارديان البريطانية أن مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين، جوناثان ويتال، تعرّض لإلغاء تأشيرته من قبل السلطات الإسرائيلية بسبب تصريحات انتقد فيها الظروف "الكارثية" التي يعيشها السكان في غزة. وقال ويتال إن هذا القرار ليس استثناءً بل جزء من حملة متواصلة لتقييد عمل المنظمات الإنسانية الدولية ومنعها من نقل الحقيقة للعالم، مؤكّدًا أن "الواقع لا يمكن حجبه، لا في غزة ولا في الضفة الغربية".
في الأثناء، تتحدث مصادر مطلعة عن جهود دولية لإحياء مفاوضات وقف إطلاق النار، مع تدخلات جديدة من واشنطن والقاهرة والدوحة تهدف لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وسط حديث عن مقترح جديد يتضمن هدنة مؤقتة مقابل فتح المعابر والسماح بعودة النازحين والإفراج عن دفعة من الأسرى. لكن التحدي الأكبر، كما تؤكد مصادر دبلوماسية، يظل في إقناع القيادة الإسرائيلية بالتراجع عن شروطها المتشددة، لا سيما تلك المتعلقة بالوجود العسكري على ممر رفح وتحكمها الكامل في حركة المساعدات.
كل هذه التطورات تأتي في ظل أوضاع إنسانية متدهورة وصفتها الأمم المتحدة بـ"الكارثية"، حيث سجلت وزارة الصحة في غزة وفاة أكثر من 175 شخصًا بسبب الجوع خلال الأسابيع الأخيرة، بينهم أكثر من 90 طفلًا، في وقت تواجه فيه الوكالات الإغاثية صعوبات متفاقمة في إيصال المواد الغذائية والدوائية وسط استمرار القصف وتعطل الطرق والمنشآت الحيوية.