توتر شرقي حلب: تصعيد خطير بين الجيش و"قسد"

سامر الخطيب

2025.08.03 - 10:18
Facebook Share
طباعة

 شهد ريف حلب الشرقي ليلة ساخنة من التوترات العسكرية، بعد إحباط الجيش السوري محاولة تسلل نفذتها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) باتجاه إحدى نقاطه العسكرية قرب قرية الكيارية في منطقة منبج. الحادثة تأتي في سياق تصعيد ملحوظ تشهده المنطقة في الآونة الأخيرة، وسط تبادل للاتهامات بين الطرفين، وتهديدات بكسر حالة التهدئة الهشة.


في بيان رسمي، أكدت وزارة الدفاع السورية أن قوات الجيش تصدت في الساعة 21:40 من مساء السبت لمحاولة تسلل قامت بها عناصر من "قسد"، أعقبها قصف صاروخي ومدفعي طال منازل المدنيين في قرية الكيارية ومحيطها، ما أدى إلى إصابة أربعة جنود وثلاثة مدنيين بجروح متفاوتة الخطورة.


وأوضحت الوزارة أن القوات السورية ردت على مصدر النيران المنطلقة من مناطق سيطرة "قسد"، ونفذت ضربات دقيقة استهدفت منصات إطلاق الصواريخ والمدافع التي استخدمت في الهجوم. وتمكنت الوحدات العسكرية من رصد راجمة صواريخ ومدفع ميداني قرب مدينة مسكنة شرقي حلب، تم استخدامهما خلال العملية.


من جهتها، نفت "قسد" عبر مركزها الإعلامي تنفيذ أي هجوم على مواقع الجيش السوري، معتبرة أن ما جرى هو "دفاع عن النفس" ورد على "استفزازات" من قبل ما وصفته بـ"فصائل غير منضبطة" تابعة للحكومة السورية في منطقة دير حافر. وأكدت أن هذه الفصائل نفذت قصفاً على مناطق آهلة بالسكان بأكثر من عشر قذائف، مشيرة إلى أن عناصرها تعاملوا مع الهجمات بـ"أقصى درجات ضبط النفس".


كما اتهمت "قسد" وزارة الدفاع السورية بمحاولة "قلب الحقائق وتضليل الرأي العام"، محذرة من أن مثل هذه التصريحات لا تخدم حالة الاستقرار، ومشددة على ضرورة التزام جميع الأطراف باتفاق التهدئة، وضبط الفصائل الخارجة عن سيطرة الجيش.


المنطقة لم تشهد هذا التصعيد من فراغ، فقد سبق الأحداث الأخيرة عدة مؤشرات على اشتداد التوتر بين الجانبين. خلال الأيام الماضية، احتجزت "قسد" 11 جندياً سورياً بعد دخولهم بطريق الخطأ إلى إحدى نقاطها العسكرية في دير حافر، قبل أن يتم الإفراج عنهم لاحقاً بوساطة من وزارة الدفاع. كما سجلت تحركات عسكرية كبيرة من قبل "قسد" التي أرسلت تعزيزات قوامها أكثر من 150 عربة عسكرية من الرقة باتجاه ريف حلب، بالتزامن مع انشغال الجيش السوري بأحداث الجنوب في السويداء.

 

وفي رد فعل مباشر، عزز الجيش السوري مواقعه في المنطقة، واستقدم وحدات جديدة لمنع مزيد من التغلغل أو التحركات المفاجئة من جانب "قسد"، خاصة في ظل محاولاتها الأخيرة لإعادة الانتشار قرب خطوط التماس.


ويرى مراقبون أن هذه الحوادث تنذر بتآكل الاتفاقات السابقة بين الطرفين، وعلى رأسها اتفاق العاشر من آذار، الذي كانت "قسد" قد أعلنت التزامها به، بما يشمل الاندماج ضمن صفوف الجيش السوري وتحت راية واحدة. إلا أن المعطيات الميدانية تشير إلى غياب الثقة، وتزايد المؤشرات على تفكك حالة التنسيق، إن وجدت.


وفي ظل هذا الوضع المتوتر، يبدو أن مشهد ريف حلب الشرقي يتجه نحو مزيد من التعقيد، خاصة في ظل تنازع المصالح الإقليمية والدولية، وتعدد القوى الفاعلة ميدانياً. فالمواجهات لا تعكس فقط صراعاً داخلياً على النفوذ، بل تتداخل معها اعتبارات أمنية وسياسية إقليمية، تجعل من أي اشتباك محلي شرارة محتملة لتصعيد أكبر.


يبقى مستقبل المنطقة رهيناً بإرادة الأطراف الفاعلة في تخفيف التوتر، وتجنب الانزلاق نحو مواجهات واسعة النطاق، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الاستقرار أكثر من أي وقت مضى. وعلى الرغم من التصريحات المتكررة عن التزام التهدئة، إلا أن ما يحدث على الأرض يشير إلى هشاشة أي تفاهمات، ما لم تُدعّم بإجراءات ملموسة تضع حداً للاستفزازات وتُرسي قواعد واضحة للاشتباك، أو تمنعه نهائياً.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9