في قلب العاصمة السورية، وبين أزقتها القديمة والمكتظة، يتصاعد صوت المعاناة من أزمة مياه خانقة باتت تُشكل عبئًا يوميًا لا يفارق سكان دمشق وريفها. أزمة لا تميّز بين حيّ شعبي أو راقٍ، ولا بين عائلة محدودة الدخل أو ميسورة؛ فالجميع أصبح أسير جدول ضخ غير مفهوم، وانقطاعات طويلة لا تبرير لها، وحلول غائبة حتى عن التصريحات الرسمية.
في حي ركن الدين، يصف الأهالي وضعهم بأنه "اختبار صبرٍ يومي"، حيث تغيب المياه لأيام متتالية دون أي إنذار، ما يدفع العائلات للاعتماد على صهاريج خاصة بأسعار مرهقة تفوق قدرتهم. "صرنا نحسب أيامنا بعدد الجالونات التي نشتريها، وليس بعدد الساعات"، يقول أحد السكان، مضيفًا أن الصهاريج أصبحت خيارًا اضطراريًا رغم ارتفاع أسعارها وغياب الرقابة عليها.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحي، بل تمتد المعاناة إلى أغلب أحياء العاصمة، وسط تساؤلات متكررة عن سبب غياب برنامج واضح لتوزيع المياه، وتفاوت كبير في مدة الضخ بين حي وآخر. بعض الأحياء تحصل على المياه لمدة 4 إلى 6 ساعات يوميًا، فيما أحياء أخرى تمر عليها أيام دون نقطة ماء.
المأساة تأخذ بُعدًا أكثر قسوة في قدسيا، المدينة الواقعة على أطراف دمشق، والتي تشهد واحدة من أسوأ الأزمات المائية. أهالي المدينة يشتكون من قلة عدد مرات الضخ، إذ لا تصل المياه إلى بيوتهم سوى مرة واحدة كل ثلاثة أيام. أما في شارع السلام تحديدًا، فقد مضى أكثر من شهر دون أي قطرة مياه، مما دفع السكان إلى نقل المياه يدويًا من أحياء أخرى أو الاعتماد الكامل على الشراء.
"صرنا نحمل عبوات الماء في سياراتنا ونملأها من أي مكان فيه ضخ.. لم يعد مقبولًا أن نعيش في هذه الظروف ونحن في قلب البلد"، تقول سيدة من سكان شارع السلام.
ويعزو البعض هذه الأزمة إلى انخفاض مستوى ينابيع الفيجة، وأعطال متكررة في شبكات الإمداد ومحطات الضخ، في حين يشير المواطنون إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية، مثل سوء الإدارة، وغياب الرقابة، وتراكم الإهمال في صيانة الشبكات. ويؤكد عدد من الأهالي أن المياه التي تصل في بعض الأيام تكون ملوثة أو غير صالحة للشرب، مما يضطرهم إلى شراء مياه الشرب المعبأة.
من جانب آخر، يعاني السكان من صعوبة تخزين المياه عند توفرها، بسبب الانقطاع الطويل في التيار الكهربائي، ما يعطّل عمل المضخات المنزلية. هذه الحلقة المغلقة من الأزمات المتداخلة تحوّل حياة الناس إلى معركة يومية لتأمين أبسط حقوقهم.
ومع تفاقم الأزمة، تتزايد مطالبات السكان بتدخل عاجل، ووضع خطة واضحة لتوزيع المياه، وإعادة تأهيل البنية التحتية المتآكلة. فالماء، الذي يُفترض أن يكون حقًا أساسيًا، بات رفاهية يحلم بها الكثيرون في دمشق وقدسيا وأطرافهما.
في ظل هذا الواقع، تبقى أزمة المياه عنوانًا صارخًا لعجز الخدمات العامة، وصمت الجهات المعنية، وتحوّل يوميات السوريين إلى معاناة مفتوحة لا مؤشرات حقيقية على قرب انتهائها.