تتجه الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء اللبناني يوم الثلاثاء المقبل، التي تحمل في جدول أعمالها عنوانًا مفصليًا وخطيرًا: "حصرية السلاح بيد الدولة". جلسة تأتي في ظل تقاطعات إقليمية ودولية حادة، وضغوط غير مسبوقة تمارسها القوى الكبرى، وتحديدًا الولايات المتحدة والسعودية، على الحكومة اللبنانية، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من انفجار سياسي، وربما أمني، إذا لم تتم معالجة الملف بحذر شديد.
اتصالات محمومة قبل الجلسة
تشهد الساعات التي تسبق الجلسة اتصالات رئاسية مكثفة بين رئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، في محاولة للتوصل إلى صيغة سياسية تُمرر الجلسة دون تصعيد داخلي يُفجر الحكومة من الداخل أو يغضب الخارج.
مصادر حكومية مطلعة كشفت أن سلام يحاول احتواء الاصطفاف السياسي الحاد داخل مجلس الوزراء وخارجه، عبر التشاور مع جميع الأطراف لضمان "جلسة منتجة"، خصوصًا في ضوء التباين الكبير في مواقف القوى السياسية، لا سيما "حزب الله" الذي يرفض مبدأ طرح سلاحه على طاولة البحث، باعتباره جزءًا من "الاستراتيجية الدفاعية الوطنية"، على حد تعبير مسؤوليه.
انقسام داخل الحكومة
وفق ما نشرته جريدة "النهار"، فإن الأكثرية الوزارية مؤيدة لقرار حصر السلاح، وتشمل وزراء "القوات اللبنانية"، و"التقدمي الاشتراكي"، والكتائب، إلى جانب وزراء محسوبين على الرئيسين عون وسلام. في المقابل، يعارض وزراء الثنائي الشيعي الخطوة، باستثناء الوزير فادي مكي المحسوب على حصة رئيس الحكومة.
وتقول مصادر مطلعة إن الجلسة قد تشهد غياب بعض الوزراء المحسوبين على "حزب الله"، أو حضورهم مع تسجيل تحفظ، بينما قد يصوت الآخرون لصالح الخطة، في مشهد يوحي بتصدع داخلي قد يؤدي إلى أزمة سياسية مفتوحة.
ضغوط دولية ورسائل واضحة
تزامنت التحركات الحكومية مع تحركات خارجية لافتة. فقد كشفت مصادر دبلوماسية أميركية رفيعة عن اتصال جرى بين الموفد الأميركي إلى بيروت، توماس براك، ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، نتج عنه توافق واضح بين واشنطن والرياض على موقف موحد يدفع باتجاه نزع سلاح "حزب الله" تحت سقف الدولة اللبنانية.
وتشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة والسعودية تشكلان رأس حربة في الضغط على الحكومة اللبنانية، مع رسائل حازمة بأن لا مساعدات اقتصادية من دون خطوات ملموسة على صعيد بسط سيادة الدولة وتنفيذ الإصلاحات، خصوصًا في ما يتعلق بسلاح "حزب الله".
ارتدادات سياسية وأمنية
صحيفة "نداء الوطن" لفتت إلى وجود خشية رئاسية من أن يؤدي فشل الجلسة في التوصل إلى نتائج ملموسة إلى تفجير الحكومة من الداخل، خصوصًا مع تصاعد التهديدات الخارجية. أما صحيفة "الأخبار" فكشفت عن تسريبات من دوائر الرئاسة تشير إلى أن الرئيس جوزيف عون يعتزم توجيه خطاب "عالي اللهجة" في ذكرى تأسيس الجيش، لكن دون القطيعة مع "حزب الله"، حيث لا يزال يؤمن بالحوار وضرورة الضمانات الداخلية.
أما صحيفة "الديار"، فقد أوردت أن جهات خارجية طمأنت أطرافًا لبنانية بأن التصعيد الداخلي ضد الحزب لن يؤدي إلى حرب أهلية، وذهبت بعض الأجهزة الأمنية إلى التحذير من أن أي تحرك مسلح داخلي من الحزب سيواجه بردّ خارجي، قد يشمل تدخلاً إسرائيليًا.
موقف حزب الله: التمسك بالحوار والقلق من الاستهداف
في المقابل، تؤكد مصادر قريبة من "حزب الله" أن المقاومة ملتزمة بالحوار، ولن تنخرط في أي نزاع داخلي مهما كانت الضغوط، لكنها ترى أن طرح موضوع السلاح في هذا التوقيت يأتي ضمن خطة دولية واضحة لنزع سلاح الحزب بالكامل، سياسيًا وعسكريًا، ما يشكل تهديدًا جوهريًا لمعادلة التوازن اللبنانية الهشة.
المصادر نفسها تعتبر أن هذا المسار قد يقود إلى زعزعة الاستقرار، خصوصًا أن الحزب ليس القوة الوحيدة المسلحة على الساحة، وهناك ميليشيات وقوى محلية أخرى تمتلك السلاح وتدار مباشرة من جهات خارجية.
مواقف متباينة وعين على واشنطن
رئيس الحكومة نواف سلام، من جهته، أكد في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" أن طرح حصرية السلاح "جاء في سياقه الطبيعي"، مذكّرًا بأن البند وارد في البيان الوزاري للحكومة، وأن الاتصالات بلغت مرحلة "النضوج السياسي" لطرحه على جدول الأعمال. كما شدد على أن الطرح لا يستهدف أحدًا، بل ينسجم مع اتفاق الطائف وقرارات الأمم المتحدة، ولا عودة عنه.
وأكد سلام أن النقاش المرتقب في الجلسة سيدور حول "استكمال بسط سيادة الدولة على أراضيها كافة بقواها الذاتية"، إضافة إلى الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية وفق ما جاء في ورقة الموفد الأميركي توماس براك.
ماذا بعد جلسة الثلاثاء؟
في حال فشل الجلسة، تتحدث بعض الأوساط السياسية عن ثلاثة سيناريوهات: الأول، مقاطعة جزئية من وزراء "حزب الله" أو "أمل"؛ الثاني، تصويت داخلي يُظهر انقسامًا حادًا داخل الحكومة؛ والثالث، انفجار سياسي واسع، يليه انفجار شعبي في الشارع تحت تأثير الاستقطاب الطائفي.
كما تلوّح بعض القوى بتعليق المشاركة في الحكومة إذا ما تم تجاهل اعتراضاتها، في حين تؤكد مصادر أخرى أن واشنطن عازمة على مواصلة الضغط، حتى لو أدّى الأمر إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي اللبناني بالكامل.
جلسة الثلاثاء ليست مجرد اجتماع وزاري تقني، بل محطة فاصلة بين مرحلة مراوحة ومرحلة حسم. فإما أن يتم التوافق على آلية مرحلية لمعالجة ملف السلاح تحت مظلة الدولة، أو تدخل البلاد في أزمة سياسية مفتوحة، قد تكون شرارتها "حصرية السلاح"، لكنها مرشحة لتطال توازنات النظام السياسي برمّته.
في ظل هذا المشهد، يترقّب الداخل والخارج ما ستسفر عنه الجلسة المصيرية، التي قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة من تاريخ لبنان.