شهدت محافظة السويداء تطورًا غير مسبوق تمثل بإعلان عدد من النقابات المهنية والمدنية قطع علاقتها مع النقابات المركزية في دمشق، وذلك احتجاجًا على تجاهل الحكومة لما شهدته المحافظة من أحداث دامية، وصمتها حيال الانتهاكات التي طالت المدنيين.
البداية كانت مساء السبت 26 من تموز، حين أصدرت نقابة المهندسين الزراعيين - فرع السويداء بيانًا نعت فيه أربعة من أعضائها الذين قضوا مؤخرًا، وأعلنت فيه وقف التواصل مع النقابة المركزية، إلى حين “زوال السلطة الحالية وإقامة سلطة تمثل الشعب وتصون كرامته”.
لاحقًا، تبع هذا البيان سلسلة من بيانات المقاطعة، إذ أعلنت نقابة المعلمين استقلالها عن السلطة المركزية، محملة الحكومة مسؤولية حرمان طلاب السويداء من فرصة التقدم لامتحانات الشهادة الثانوية، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المعلمون في ظل الظروف الصعبة.
من جهتها، اعتبرت نقابة الصيادلة فرع السويداء أن الحكومة مسؤولة عن حرمان المرضى من حق الحصول على الدواء، معلنة بدورها قطع العلاقة مع النقابة الأم، متهمة إياها بالتحيّز للسلطة.
كما انضمت نقابتا العمال والأطباء البيطريين إلى حراك القطيعة، وأعلنتا وقف التواصل مع النقابات المركزية. وفي خطوة تصعيدية، قدّم مجلس فرع نقابة المحامين استقالته جماعيًا، احتجاجًا على ما وصفه بـ"الانتهاكات بحق المدنيين في المحافظة".
التوتر المتصاعد في السويداء جاء بعد اشتباكات دامية اندلعت بين مجموعات من الفصائل المحلية وعناصر من العشائر البدوية وقوات الأمن، أودت بحياة 814 شخصًا، بينهم نساء وأطفال وكوادر طبية وإعلاميون، بحسب تقارير حقوقية، فضلًا عن وقوع أكثر من 900 جريح.
تدهور الوضع الإنساني كان من أبرز تداعيات هذا التصعيد، إذ تعاني المحافظة من نقص في المواد الأساسية وانقطاع للخدمات، ما فاقم الغضب الشعبي وأشعل احتجاجات نقابية هي الأولى من نوعها في المنطقة.
في المقابل، أكد محافظ السويداء، مصطفى البكور، استمرار دخول قوافل المساعدات الإنسانية إلى المحافظة، حيث نُقلت كميات من الطحين والمازوت والمعدات الطبية، وأُعلن عن دخول قافلة جديدة قريبًا محملة بـ200 طن من الطحين ومواد إغاثية متنوعة. كما أوضح أن الورشات الخدمية تعمل على تأهيل الطرق المتضررة وتسهيل تنقل المواطنين.
تصريحات المحافظ جاءت ردًا على ما وُصف عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحصار على المدينة ومنع دخول المساعدات، وهو ما نفاه المحافظ مؤكدًا أن المساعدات تدخل بالتنسيق مع “الهلال الأحمر” والمنظمات الدولية عبر طريق بصرى الشام في درعا، وبدعم من وزارة الخارجية.
في السياق الإنساني أيضًا، خرجت قوافل إجلاء من السويداء إلى درعا، شملت حتى الآن 1638 شخصًا، بينهم مرضى ورعايا أجانب، في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
ورغم التحركات الإنسانية، فإن الأوضاع في السويداء لا تزال توصف بـ"الكارثية"، بحسب تصريحات رسمية، وسط استمرار الأزمة، وانعدام أفق واضح للحل، في ظل مشهد معقد تختلط فيه المطالب الاجتماعية بالتصعيد الأمني والسياسي.
وبينما تسعى الحكومة إلى احتواء الموقف عبر القنوات الإنسانية، فإن القطيعة النقابية مع دمشق تعكس حجم التصدع المتنامي بين مؤسسات الدولة والقاعدة المجتمعية في المحافظة، ما يضع تطورات السويداء تحت أعين السوريين والفاعلين الدوليين، بانتظار ما ستؤول إليه الأيام المقبلة.