وسط تصاعد الضبابية بشأن مستقبل مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أثار انسحاب الوفد الأميركي من المحادثات غير المباشرة تساؤلات واسعة، بين من يرى فيه مناورة للضغط على حركة حماس، وآخرين يحذّرون من كونه مقدمة لتصعيد وشيك في القطاع.
الخطوة الأميركية جاءت بعد إعلان مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، سحب فريق التفاوض من العاصمة القطرية الدوحة، متهماً حركة حماس بعدم إبداء الجدية في الرد على المقترحات الأميركية الأخيرة. وفي تصريحاته، قال ويتكوف إن الرد الذي تلقته واشنطن يدل على "غياب نية التوصل إلى اتفاق".
لكن حركة حماس سارعت إلى وصف هذه التصريحات بـ"السلبية والمفاجئة"، مؤكدة أنها قدمت موقفاً مرناً ومسؤولاً بعد مشاورات معمقة مع الفصائل الفلسطينية والدول الوسيطة، وأنها ما تزال منفتحة على التوصل إلى اتفاق عادل يضمن وقف العدوان وعودة الحياة إلى القطاع.
ترامب يتوعد وحماس ترد
الانسحاب الأميركي ترافق مع خطاب غير مسبوق من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اتهم فيه حماس من حديقة البيت الأبيض بأنها "لا تريد اتفاقاً"، مضيفاً بشكل لافت أن "الحركة تعلم ما سيحدث بعد استعادة الرهائن"، قبل أن يختم تصريحه المثير للجدل بجملة: "حماس تريد أن تموت".
هذه التصريحات فسرتها الأوساط الفلسطينية بأنها تهديد واضح، وتأكيد على أن الانسحاب الأميركي ليس فقط خطوة تفاوضية، بل يحمل في طياته إشارات تصعيدية مبيتة.
محللون: مناورة أم تمهيد لتصعيد عسكري؟
الباحث الأميركي كينيث كاتزمان رأى أن الانسحاب لا يعني نهاية المسار التفاوضي، بل يُدرج ضمن "مناورات ضغط" على حماس، مؤكداً أن واشنطن كثيراً ما تستخدم هذا النوع من التكتيك لكسر مواقف الخصم.
وقال كاتزمان إن حماس "لم تُبد مرونة كافية منذ أشهر"، حسب وصفه، لكنه أشار إلى أن إدارة ترامب قد تقدم على تخفيف محدود للقيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ضمن محاولة لإظهار حسن النية تجاه المدنيين.
من جانبه، الباحث الفلسطيني سعيد زياد قرأ في الخطاب الأميركي تحولاً خطيراً نحو التصعيد، مرجحاً أن واشنطن تمهد لعمليات عسكرية مثل الاغتيالات أو الاجتياحات المحدودة بهدف تفكيك موقف حماس وإضعاف أوراقها التفاوضية.
وحذر زياد من موجة ضغط مركبة قد تبدأ إعلامياً ودبلوماسياً، ولا تُستبعد توسّعها إلى عمليات ميدانية، خاصة وأن الاحتلال بات يخشى من جهوزية المقاومة لأي تصعيد، بعد فشل محاولات التوغل السابقة التي كلفته خسائر بشرية كبيرة.
إسرائيل بين التصعيد والضغوط الداخلية
على الجانب الإسرائيلي، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن حكومته تدرس "خيارات بديلة" بالتعاون مع الولايات المتحدة لاستعادة الرهائن وإنهاء "حكم حماس"، حسب تعبيره.
وجاء هذا التصريح بعد انسحاب الوفد الإسرائيلي هو الآخر من مفاوضات الدوحة، في وقت تتصاعد فيه الأصوات المتطرفة داخل حكومة الاحتلال، خصوصاً من وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يدعون لاحتلال غزة بالكامل ووقف كل أشكال الإغاثة الإنسانية وتشجيع الهجرة الجماعية للفلسطينيين.
لكن محللين، بينهم إيهاب جبارين، المختص في الشأن الإسرائيلي، اعتبروا أن هذه التصريحات تمثل هوامش مناورة داخلية أكثر من كونها سياسات فعلية. وأشار جبارين إلى أن نتنياهو يناور على جبهتين: الحفاظ على الدعم الأميركي، والتهرب من الضغوط الداخلية المتزايدة، خاصة من عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين يتظاهرون باستمرار للمطالبة بإعادتهم "بأي ثمن".
الداخل الإسرائيلي منقسم والمفاوضات مستمرة تحت الطاولة
ووفق جبارين، فإن الانسحاب الأميركي قد يكون تكتيكاً مؤقتاً لكسب الوقت أو لتمرير جولة من الضغط المكثف على حماس قبل العودة لطاولة المفاوضات، وهو ما أكده أيضاً تقرير لشبكة "سي إن إن" الأميركية نقلاً عن مصادر إسرائيلية، قالت إن الانسحاب لا يعني انتهاء المحادثات بل "العودة للتشاور".
حماس: ملتزمون بالمرونة والوسطاء رحبوا
من جانبها، أكدت حركة حماس في بيان جديد، أنها تسلمت المقترحات عبر الوسطاء وتعاملت معها بمرونة، مشيرة إلى أن مواقفها تلقى ترحيباً من مصر وقطر، وأن الحديث الأميركي عن تعنتها "لا يعكس حقيقة ما جرى في غرف التفاوض".
ورغم عدم صدور تعليقات رسمية من القاهرة أو الدوحة، نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة أن الجولة التفاوضية "لا تزال مفتوحة"، رغم ما يشوبها من تعقيدات سياسية وضغوط متعددة المسارات.