في خطوة دولية لافتة، أصدرت 27 دولة غربية -من بينها المملكة المتحدة وفرنسا وكندا واليابان- بيانًا مشتركًا يدعو إلى وقف فوري للحرب على غزة، منددة بسياسات إسرائيل "اللاإنسانية" تجاه المدنيين في القطاع، واستخدامها المساعدات والمواد الغذائية كسلاح في الصراع المستمر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتعكس هذه الدعوات حجم التحول في الخطاب الغربي تجاه إسرائيل، وسط تنامي الإدانات لانتهاكاتها المتكررة في قطاع غزة، وتزايد الضغط الشعبي والبرلماني على حكومات تلك الدول لاتخاذ مواقف أكثر صرامة.
بريطانيا ترفع الصوت: "الوضع لم يعد يُحتمل"
وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عبّر عن موقف واضح وصريح خلال جلسة في مجلس العموم، حين قال إن "الوضع في غزة أصبح كارثيًا وغير قابل للاستمرار"، مشددًا على ضرورة التحرك العاجل لوقف الحرب، ومتوعدًا بأن لندن "ستدرس إجراءات إضافية" إذا لم تُوقف إسرائيل عملياتها العسكرية.
لامي وصف خطة إسرائيل لنقل أكثر من 600 ألف فلسطيني إلى ما تُسمى "المدينة الإنسانية" في رفح بأنها غير مقبولة إطلاقًا، مؤكدًا أن "استخدام الغذاء كسلاح هو انتهاك لا يمكن التغاضي عنه".
كما تساءل بغضب عن الجدوى العسكرية من الغارات التي تقتل أطفالًا جائعين، في إشارة إلى مجزرة دير البلح الأخيرة، حيث استهدفت غارات إسرائيلية تجمعات مدنية وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.
فرنسا: "ما يحدث فضيحة يجب أن تتوقف"
وفي موقف متقدم، وصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الهجوم الإسرائيلي المتجدد على غزة بأنه "فضيحة بلا مبرر"، مطالبًا بوقف إطلاق النار فورًا، والسماح بدخول الصحافة الأجنبية المستقلة إلى غزة لكشف الحقيقة أمام العالم.
وقال بارو: "لم يعد هناك أي مبرر أخلاقي أو عسكري لمواصلة العمليات"، محذرًا من أن توسيع القصف باتجاه دير البلح ووسط غزة "سيؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة وموجات تهجير قسري واسعة".
فرنسا، التي طالما التزمت الحذر في تعليقاتها، اختارت هذه المرة أن تنضم إلى الجوقة الدولية الرافضة للحرب، في إشارة إلى تصاعد الغضب الشعبي داخل أوروبا من صور الدمار والمجازر التي تخرج من القطاع يوميًا.
أستراليا: "مذابح لا يمكن تبريرها"
أما في أستراليا، فقد عبّر وزير الداخلية توني بيرك عن موقف قوي وغير مسبوق، حين قال إن الغارات الإسرائيلية "أدت إلى مذابح مروعة بحق المدنيين، لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف".
وفي تصريحات لصحيفة "الغارديان"، شدد بيرك على ضرورة وقف الحرب فورًا، مضيفًا: "رأينا أطفالًا يُقتلون، وكنائس تُقصف، وصورًا من غزة لا يمكن إنكار حقيقتها، هذا يجب أن ينتهي الآن".
وتأتي هذه التصريحات وسط موجة تضامن متزايدة داخل البرلمان الأسترالي، حيث يطالب عدد من النواب بإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل، وتعليق صفقات السلاح، وفتح تحقيقات بشأن الاستخدام المحتمل لأسلحة أسترالية في القصف.
إسرائيل ترد بغضب: "البيان منفصل عن الواقع"
في المقابل، رفضت الحكومة الإسرائيلية البيان المشترك، ووصفته بأنه "منفصل عن الواقع". وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن هذه التصريحات "تبعث برسائل خاطئة لحماس"، وتضر بجهود وقف إطلاق النار والتفاوض على تبادل الأسرى.
كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن السفير في أستراليا أمير ميمون قوله إن "البيان يتجاهل تمامًا مسؤولية حماس عن اندلاع الحرب"، معتبرًا إياه "غير مفيد" في هذه المرحلة الحرجة.
لكن المراقبين يشيرون إلى أن هذا الإنكار الإسرائيلي لم يعد يجد الصدى ذاته في العواصم الغربية، حيث يتصاعد الضغط الداخلي ويزداد الغضب الشعبي تجاه المجازر اليومية التي تطال المدنيين في غزة.
مأساة إنسانية غير مسبوقة
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربًا واسعة على قطاع غزة، وصفتها منظمات حقوقية دولية بـ"الإبادة الجماعية"، وأدت حتى الآن إلى استشهاد أكثر من 38 ألف فلسطيني، بينهم عشرات الآلاف من النساء والأطفال، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 180 ألف آخرين، وتدمير البنية التحتية للقطاع بشكل شبه كامل.
وبحسب تقارير أممية، يعيش أكثر من 80% من سكان غزة على حافة المجاعة، بسبب الحصار الإسرائيلي المتعمد ورفض دخول المساعدات الإنسانية، في ما وصفه مسؤولون أمميون بأنه "أكبر كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين".
هل تشكّل هذه المواقف منعطفًا سياسيًا؟
يعتقد محللون سياسيون أن تكتل 27 دولة في موقف مشترك ضد إسرائيل قد يشكّل لحظة مفصلية في مسار الحرب، لا سيما إذا تبعتها خطوات عملية مثل وقف تصدير الأسلحة أو فرض عقوبات على الجهات المتورطة في جرائم الحرب.
ورغم أن البيان لا يحمل طابعًا ملزمًا قانونيًا، إلا أنه يعكس تغيرًا جوهريًا في المزاج السياسي الدولي، وقد يمهّد الطريق لمواقف أشد صرامة في مجلس الأمن، أو أمام محكمة العدل الدولية.
الكرة الآن في ملعب الدول الكبرى: فهل تترجم هذه الإدانة إلى ضغط حقيقي على إسرائيل؟ أم يبقى الصوت الإنساني محاصرًا في أروقة البيانات الدبلوماسية؟