المعابر المغلقة تخنق دير الزور

سامر الخطيب

2025.07.20 - 02:46
Facebook Share
طباعة

 تعيش محافظة دير الزور شرق سوريا ضغوطًا متزايدة جراء استمرار إغلاق المعابر النهرية التي تربط ضفتي نهر الفرات، وسط اعتماد شبه كلي على معبر واحد فقط، هو "الجسر الترابي"، الذي بات الشريان الوحيد للحياة بين طرفي المحافظة. هذا الواقع أثقل كاهل السكان، لا سيما خلال فترة امتحانات الثانوية العامة، التي فرضت على الطلاب وأهاليهم تحديات مضاعفة لا تتعلق بالتحصيل العلمي فقط، بل بسباق يومي مع الوقت والجهد.


معاناة يومية على ضفتي النهر
يمتد نهر الفرات كحد فاصل بين مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في الشرق، ومناطق سيطرة الحكومة السورية في الغرب. وفي السابق، كان العبور بين الطرفين ممكنًا عبر أكثر من 16 معبرًا نهريًا موزعًا على القرى والبلدات من الجانبين، مثل البصيرة والصبحة ودرنج شرقًا، والميادين والزباري والعشارة غربًا.


لكن مع إغلاق معظم هذه المعابر، وتحويل الجسر الترابي إلى نقطة عبور وحيدة، بات التنقل عبئًا يوميًا على الأهالي. فالطريق الذي كان يستغرق ساعة، بات يستغرق ثلاثًا أو أكثر، وسط ازدحام خانق وارتفاع كبير في تكاليف النقل.


يقول سكان محليون إن معبر الجسر الترابي بات مزدحمًا بشكل دائم، مما يؤدي إلى تأخير كبير في الوصول، خاصة لمن يسعى للوصول إلى المدارس أو المستشفيات أو الدوائر الرسمية، وهو ما يضاعف من معاناة الأهالي في ظل تدهور الخدمات العامة وتراجع المستوى المعيشي في المنطقة.


امتحانات الثانوية.. مأساة متكررة
تتجلى آثار هذا الإغلاق بشكل صارخ على طلاب المرحلة الثانوية الذين يقطعون يوميًا مسافات طويلة لعبور النهر والوصول إلى مراكز الامتحانات الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة. يبدأ بعضهم رحلته قبل الفجر لتجنّب التأخير أو الفوضى التي قد تحول دون دخولهم قاعات الامتحان.


الانتظار لساعات في طوابير طويلة على الجسر، والانتقال في ظروف صعبة تحت الشمس أو في وسائل نقل غير مهيّأة، يخلّف آثارًا نفسية وجسدية على الطلاب، تؤثر بشكل مباشر على تركيزهم وأدائهم في الامتحانات. ويصف أولياء الأمور هذه الظروف بأنها "مرهقة ومعقدة"، في ظل أعباء مالية إضافية يدفعونها يوميًا لضمان وصول أبنائهم في الوقت المحدد.


يشير الأهالي إلى أن تكلفة النقل اليومي ارتفعت إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، ما يمثل ضغطًا اقتصاديًا كبيرًا على العائلات ذات الدخل المحدود، خصوصًا في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وغياب أي حلول ملموسة من الجهات المعنية.


تأثيرات اقتصادية واسعة
لا تقتصر تداعيات إغلاق المعابر على الطلاب والأفراد فحسب، بل تمتد لتشمل القطاع الاقتصادي والتجاري في دير الزور. فصعوبة مرور البضائع بين ضفتي الفرات أدت إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن، مما تسبب في ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وزيادة العبء على المستهلكين.


تجار محليون يؤكدون أن اضطرارهم لاستخدام طرق بديلة أو دفع رسوم عبور مرتفعة على الجسر الوحيد المتاح، قد انعكس بشكل مباشر على أسعار المنتجات. كما أن غياب المعابر النهرية الأخرى ساهم في إبطاء حركة التجارة، وتقليص النشاط الاقتصادي في الأسواق المحلية.


مطالب شعبية بإعادة فتح المعابر
في ظل هذا الوضع المأزوم، تتعالى الأصوات من داخل دير الزور مطالبة بإعادة فتح المعابر النهرية المغلقة، وصيانة الجسور المتضررة، لتخفيف الضغط عن الجسر الترابي، وتحقيق حد أدنى من الاستقرار في الحركة والتنقل. يرى السكان أن عودة المعابر للعمل تمثل ضرورة إنسانية واقتصادية ملحة، خاصة في ظل عدم وجود بدائل حقيقية أو دعم لتعويض هذه الخسائر المتفاقمة.


تاريخ من التدمير والإهمال
الجسور النهرية في دير الزور ليست ضحية الإغلاق الحالي فحسب، بل تعرضت عبر السنوات الماضية لعشرات الهجمات والتدمير الممنهج. فقد تضررت أغلب الجسور نتيجة العمليات العسكرية والقصف الجوي الذي استهدفها خلال الصراع السوري، ما جعل ملف الجسور أحد أبرز رموز الدمار في المحافظة، وأحد العوائق الرئيسية أمام أي مسار للتعافي أو إعادة الإعمار.


تعيش دير الزور اليوم مأزقًا مركبًا بين واقع أمني هش، وخدمات متدهورة، وبنية تحتية مدمّرة. ويبقى فتح المعابر النهرية مطلبًا شعبيًا ملحًا، لا لرفاهية التنقل، بل لضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة للسكان الذين باتوا يعبرون نهر الفرات يوميًا بين المعاناة والخوف والانتظار.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 2