الدروز وإسرائيل: صراعات وحماية متشابكة

سامر الخطيب

2025.07.17 - 11:25
Facebook Share
طباعة

 شهدت الأيام الأخيرة توترًا متصاعدًا في جنوب سوريا، وخاصة في محافظة السويداء، حيث اندلعت مواجهات دامية بين عشائر وفصائل محلية أسفرت عن سقوط مئات القتلى، ما دفع الجيش السوري للتدخل بهدف فرض وقف لإطلاق النار وتنظيم الأوضاع في المنطقة. وفي سياق متصل، شن الجيش الإسرائيلي سلسلة من الغارات على مواقع استراتيجية في دمشق، مستهدفًا القصر الرئاسي ومقر هيئة الأركان السورية، معلنًا أن هذه العمليات تأتي في إطار حماية الطائفة الدرزية، التي تعتبرها إسرائيل حليفًا هامًا على حدودها الجنوبية.


تثير هذه التطورات تساؤلات حول هوية الدروز وأسباب تدخل إسرائيل العسكري في سوريا بحجة حمايتهم، بالإضافة إلى الأبعاد السياسية والأمنية التي تحيط بهذه الطائفة في ظل الصراعات الإقليمية المتشابكة.


من هم الدروز؟
الدروز طائفة عربية ظهرت في القرن الحادي عشر الميلادي، ويبلغ عدد أفرادها اليوم نحو مليون نسمة، موزعين أساسًا في مناطق سورية ولبنانية وإسرائيلية. في سوريا، يتمركز الدروز بشكل رئيسي في محافظة السويداء، بينما يعيش قسم منهم في هضبة الجولان المحتلة التي ضمتها إسرائيل عام 1981 بعد أن سيطرت عليها في حرب 1967. ويقيم في الجولان نحو عشرين ألف درزي، يعيشون إلى جانب مستوطنين يهود في أكثر من ثلاثين مستوطنة.


الدروز في الجولان يعتبرون أنفسهم سوريين ويرفضون الجنسية الإسرائيلية، رغم حصولهم على بطاقات إقامة تمنحهم حقوقًا محدودة داخل إسرائيل، ما يوضح التوتر المستمر في هويتهم بين الولاء الوطني والتعايش ضمن واقع الاحتلال.


التوتر الداخلي في السويداء
في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد، شهدت محافظة السويداء تصاعدًا في التوترات بين الفصائل المحلية والدروز، خصوصًا حول قضية السلاح والاندماج ضمن الجيش السوري المركزي. فقد تعهدت الحكومة السورية الجديدة بحماية كافة الطوائف، إلا أن محاولات نزع سلاح الفصائل الدرزية ودمجها في الجيش لم تُكلل بالنجاح، ما أدى إلى تعقيد العلاقة بين السلطات والفصائل المحلية التي تمسكت بحقها في الاحتفاظ بأسلحتها.


مواجهة هذه التوترات استدعت تدخل الجيش السوري، الذي أعلن عن اتفاق على وقف إطلاق النار بالتنسيق مع وجهاء المدينة، وسط اتهامات إسرائيلية للحكومة السورية بعدم الالتزام بالتفاهمات التي تم التنسيق بشأنها مسبقًا.


لماذا تتدخل إسرائيل؟
تدافع إسرائيل عن موقفها بالقول إنها ملزمة بحماية الدروز، حيث يعيش نحو 130 ألف درزي داخل أراضيها في مناطق الكرمل والجليل شمال إسرائيل، وهم يشكلون طائفة ذات امتيازات خاصة، إذ يخدم رجالها في الجيش الإسرائيلي منذ سنوات طويلة، ويشغل العديد منهم مناصب عسكرية وأمنية بارزة. ولعل هذا الارتباط العميق بين إسرائيل والطائفة الدرزية يفسر التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا، حيث ترى تل أبيب في أي تهديد أو اضطراب يطال الدروز في المناطق الحدودية خطرًا على أمنها القومي.


على الجانب الآخر، وصف الزعيم الروحي للدروز في سوريا الوضع بأنه "حرب إبادة شاملة"، معبّرًا عن خشية الطائفة من استهدافها في ظل الصراعات المستمرة، بينما رحبت الرئاسة الروحية الدرزية في سوريا بدخول الجيش السوري للسويداء، داعية الفصائل المسلحة إلى التعاون وتسليم السلاح لتقليل العنف.


الأبعاد الإقليمية وفرص السلام
تستمر إسرائيل في توسيع نفوذها داخل الأراضي السورية عبر ضربات متكررة، مستهدفة المواقع العسكرية لتعطيل قدرة دمشق على إعادة بناء قواتها بشكل يؤثر على أمن تل أبيب. تأتي هذه العمليات في ظل محاولات دولية، وبخاصة أمريكية، لتوجيه المنطقة نحو مسارات جديدة، بما في ذلك دفع سوريا نحو توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل وفتح أبواب التعاون.


لكن رغم هذه الجهود، تظل العلاقة بين إسرائيل والحكومة السورية الجديدة معقدة ومتوترة، حيث تصف تل أبيب النظام في دمشق بأنه "إسلامي متطرف"، محذرة من أي رفع للعقوبات أو تحولات قد تعيد تموضع القوى في المنطقة.


وفي هذا السياق، يعتبر الزعماء الدروز في إسرائيل ما يحدث في السويداء جزءًا من تكرار لأحداث مشابهة شهدتها إسرائيل من هجمات واشتباكات، ما يؤكد أن وضع الطائفة وموقعها الجغرافي يجعلها في قلب المواجهات المتعددة الأبعاد في الشرق الأوسط.


تظل الطائفة الدرزية في سوريا وإسرائيل محورًا حساسًا في الصراعات الإقليمية، حيث تتشابك الأبعاد الدينية، القومية، والسياسية مع مصالح القوى الكبرى. تدخل إسرائيل في سوريا بحجة حماية الدروز يعكس حرصها على الحفاظ على نفوذها الأمني والسياسي في المنطقة، كما يعكس المخاوف من أي تحولات قد تؤثر على استقرارها الداخلي.


في الوقت نفسه، يعيش الدروز تحديات كبيرة في تأمين وجودهم وحمايتهم وسط أزمات داخلية في سوريا ومواجهات إقليمية متجددة، مما يجعل مستقبلهم مرتبطًا بشكل وثيق بالتوازنات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9