خطاب النار والعقل من أحمد الشرع

2025.07.17 - 11:23
Facebook Share
طباعة

 
في لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية، ألقى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع خطابًا لافتًا تفاعل معه السوريون بشكل غير مسبوق، واعتبره كثيرون من أبرز كلماته منذ توليه السلطة، وذلك لما حمله من رسائل حاسمة في توقيتٍ مفصليّ تمر به البلاد. كلمة الشرع جاءت في ظل تصاعد التوتر في الجنوب السوري، وخصوصًا في محافظة السويداء، على خلفية مواجهات داخلية وتدخلات إسرائيلية باتت أكثر وضوحًا واستفزازًا، ما جعل الخطاب يتجاوز كونه مجرد بيان رئاسي، إلى موقف وطني شامل يحمل ملامح استراتيجية متكاملة.

الجملة التي تصدرت اهتمام المتابعين كانت واضحة وحاسمة: "لسنا ممن يخشى الحرب"، لكنها لم تكن دعوة للمواجهة، بل تأكيدًا على أن قرار الابتعاد عن الصراع المفتوح مع إسرائيل لا ينبع من ضعف، بل من حرص على منع تكرار سيناريوهات الفوضى التي عانت منها سوريا خلال أكثر من عقد. تحدث الشرع عن مسؤولية القيادة في الحفاظ على وحدة البلاد، وأكد أن حماية السوريين من الانزلاق نحو حروب داخلية أو إقليمية عشوائية هو خيار وطني، لا مساومة عليه.

الخطاب لم يغفل الإشارة إلى تدخلات خارجية تسعى لزعزعة الاستقرار، وعلى رأسها الدور الإسرائيلي، الذي وصفه الرئيس بأنه يعمل على "تحويل أرضنا الطاهرة إلى ساحة فوضى"، عبر دعم مجموعات مسلحة هدفها تقويض الأمن الداخلي وبث الانقسامات. لكنه في الوقت نفسه، وجّه رسائل إلى الداخل، داعيًا كل القوى الوطنية، وبخاصة الطيف الدرزي في السويداء، إلى تحمّل مسؤوليتهم الوطنية والوقوف ضد محاولات التفرقة، مؤكدًا أن أبناء الجبل جزء أصيل من الوطن السوري، ومكانتهم محفوظة في الدولة كما في وجدان الشعب.

اللافت أن الشرع لم يكتفِ بالتحذير من الخارج، بل وجه نقدًا مبطنًا لبعض القوى الداخلية التي وصفها بـ"العصابات الخارجة عن القانون"، محملًا إياها مسؤولية ما جرى من اقتتال أهلي وتدهور أمني في السويداء. وفي خطوة غير معتادة، أعلن تكليف الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمهمة حفظ الأمن، معتبرًا ذلك جزءًا من رؤية متكاملة للحفاظ على التماسك الأهلي وتفادي التورط في مواجهة مدمّرة مع أطراف إقليمية.

هذا الطرح أثار تفاعلًا واسعًا، خصوصًا مع حديثه عن أن "امتلاك القوة لا يعني الانتصار"، في تلميح ذكي إلى أن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية، لن تستطيع فرض مشروعها التفتيتي على الأرض السورية. فبحسب ما أوضح، فإن النصر في هذه المرحلة ليس في إطلاق النار، بل في صمود الداخل ووحدة الموقف، وقدرة الدولة على استيعاب أبنائها، ومعاقبة المتجاوزين بالقانون لا بالانتقام.

الشرع لم يُغفل الشكر المباشر للجهود الدبلوماسية التي حالت دون انزلاق الوضع إلى حرب مفتوحة، وخص بالذكر الوساطات الإقليمية التي ساهمت في خفض التوتر، في إشارة إلى الأدوار التي لعبتها بعض العواصم العربية وتركيا. لكنه عاد ليؤكد أن "سوريا ليست ساحة لتصفية الحسابات"، وأن القرار الوطني يجب أن يبقى بيد السوريين.

ولعل النقطة الأهم في الخطاب كانت في ختامه، حيث شدد على أن سوريا الجديدة تُبنى بالشراكة لا بالإقصاء، وبالوحدة لا بالاصطفافات. ودعا إلى الالتفاف حول مشروع الدولة باعتباره المخرج الوحيد من دوامة الصراعات، قائلاً إن استعادة هيبة سوريا لا تكون إلا من خلال عودة القانون، ومؤسسات الدولة، ووعي الشعب، وليس عبر حروب مفروضة من الخارج أو صراعات طائفية مفتعلة.

في نهاية خطابه، بدا الشرع حاسمًا، واثقًا، لكنه واقعي. هو لا يدعو لحرب، ولا يتراجع أمامها، بل يضع مصلحة السوريين أولًا، ويؤكد أن المستقبل لا يُصنع بالانقسام، بل بالتماسك والمضي بثقة نحو دولة جديدة تتجاوز جراح الماضي، وتمنع على الآخرين أن يكتبوا مصيرها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 9