تشهد الساحة السورية تصعيداً دراماتيكياً ينذر بتداعيات إقليمية واسعة، بعد الضربات الاسرائيلية وتزايد التوترات في الجنوب السوري، مما دفع المجتمع الدولي إلى تحركات دبلوماسية مكثفة في محاولة لاحتواء الأزمة المتفاقمة.
فقد شنت إسرائيل غارات جوية عنيفة على مناطق متعددة في سوريا شملت العاصمة دمشق ومحافظات السويداء ودرعا، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، من بينهم مدنيون وعناصر أمنية. واستمرت الهجمات حتى فجر الخميس، حيث استهدف الاحتلال موقعاً عسكرياً في مدينة جبلة.
تحركات دولية واستنفار سياسي
التطورات الميدانية دفعت الولايات المتحدة إلى التحرك بسرعة على المستوى الدبلوماسي، حيث كثفت من اتصالاتها السياسية مع مختلف الأطراف المؤثرة في الملف السوري، بما في ذلك قوى إقليمية مثل تركيا وقطر، في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. الإدارة الأميركية اعتبرت أن التصعيد قد يكون نتيجة "سوء فهم"، لكنها أكدت متابعتها الدقيقة للوضع الميداني وتنسيقها مع جميع الأطراف المعنية لتفادي انزلاق الأمور إلى مواجهة أوسع.
وفي سياق متصل، دخلت الأمم المتحدة على خط الأزمة، حيث عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة بطلب من دمشق، التي حمّلت إسرائيل المسؤولية الكاملة عن التصعيد، مشددة على حقها المشروع في الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها.
انقسام في السويداء
على صعيد التطورات الداخلية، أعلنت الحكومة السورية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في محافظة السويداء، التي شهدت مواجهات عنيفة خلال الأيام الماضية. إلا أن هذا الإعلان قوبل بالتشكيك من شخصيات دينية محلية وقيادات اجتماعية، التي أكدت استمرار ما وصفته بـ"القتال ضد الانتهاكات"، نافية وجود أي تفويض أو تفاوض مع السلطات الرسمية.
وقد بدأت وحدات من الجيش السوري بالفعل بالانسحاب من بعض المواقع داخل المدينة، في حين دخلت قوى أمنية محلية لتثبيت حواجز ومراقبة الوضع. غير أن الأجواء ما تزال مشحونة بالتوتر، وسط انعدام الثقة بين الأطراف وتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن سقوط عشرات الضحايا، بينهم مدنيون.
الأمم المتحدة: قلق وتحذيرات
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أعرب عن "قلق عميق" إزاء تصاعد العنف في السويداء، مطالباً بوقف فوري للقتال. ودان الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مشيراً إلى تقارير أفادت بسقوط مئات الضحايا من المدنيين، وارتفاع عدد الجرحى والنازحين.
كما حذر غوتيريش من أن استمرار التوترات الطائفية والاعتداءات العشوائية سيقوّض أي أمل في المصالحة بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب، داعياً إلى تحقيق شفاف في الانتهاكات المزعومة وتقديم المسؤولين عنها للعدالة. كما شدد على ضرورة احترام سيادة سوريا ووقف جميع الأعمال العسكرية الخارجة عن إطار القانون الدولي.
المبعوث الأممي يدعو للتهدئة والعدالة
من جانبه، أكد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أن فريقه على تواصل مستمر مع الأطراف السورية كافة في محاولة لاحتواء الوضع، داعياً إلى التهدئة الفورية وحماية المدنيين. وعبّر بيدرسن عن صدمته من التقارير التي تحدثت عن إعدامات ميدانية، وإساءات بحق المعتقلين، ونهب ممتلكات خاصة، مطالباً بفتح تحقيقات شفافة لمحاسبة المسؤولين.
كما أدان بشدة الغارات الجوية الإسرائيلية التي طالت مواقع مدنية وعسكرية في دمشق وجنوب البلاد، معتبراً أنها تمثل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين. وشدد بيدرسن على ضرورة العودة إلى العملية السياسية الشاملة، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، بوصفها الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم.
موقف واشنطن: خفض التصعيد أولوية
الإدارة الأميركية، من جانبها، أكدت التزامها بخفض التصعيد في سوريا، وأعلنت أنها لم تتلقَّ أي إشعار مسبق من إسرائيل بشأن الضربات الجوية الأخيرة. المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية أوضحت أن واشنطن تتابع الوضع بدقة، وأنها تواصل اتصالاتها مع مختلف الأطراف لمنع انفجار شامل في الجنوب السوري.
وبخصوص الوضع الداخلي، أكدت الولايات المتحدة رفضها لأي مشروع فيدرالي في سوريا، مبدية تمسكها بوحدة الدولة السورية واندماج كافة المكونات المجتمعية ضمن إطار وطني موحد. كما اعتبرت أن على السوريين أن يروا نتائج ملموسة في حياتهم اليومية، لا سيما في مجالات الأمن والخدمات والبنية التحتية، ما يتطلب تعاوناً فاعلاً وسريعاً لتجاوز الأزمة.
سيناريوهات مفتوحة
التحركات الدولية المتسارعة تعكس قلقاً عميقاً من اتساع رقعة المواجهة، خصوصاً مع الغموض الذي يكتنف أهداف الضربات الإسرائيلية، والانقسام الداخلي في السويداء، والتوتر بين قوات الحكومة والمجموعات المسلحة المحلية. في هذا السياق، تبدو احتمالات التهدئة مرهونة بمدى تجاوب الأطراف المعنية مع المبادرات المطروحة، والقدرة على بناء توافق سياسي يضمن حماية المدنيين ويمنع انفجاراً أوسع قد يمتد إلى الإقليم بأسره.
ومع استمرار العمليات العسكرية والخطاب التصعيدي من مختلف الجهات، يبقى الأمل معقوداً على المساعي الدبلوماسية والضغوط الدولية لمنع انزلاق سوريا نحو سيناريو أكثر دموية، خاصة في ظل هشاشة الأوضاع المعيشية والإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري.