ترميم ممنوع.. منازل ريف دمشق رهينة الركام

2025.07.16 - 10:59
Facebook Share
طباعة

 رغم مرور سنوات على توقف العمليات العسكرية في ريف دمشق، لا يزال آلاف السكان عاجزين عن ترميم منازلهم المتضررة، في ظل قيود قانونية وإدارية معقدة تمنع أي محاولة لإعادة الإعمار الذاتي، حتى لأبسط الإصلاحات التي لا تمسّ السلامة الإنشائية. وبالرغم من استقرار الأوضاع الأمنية، لا تزال السلطات المحلية تتعامل بصرامة شديدة مع أي محاولة لترميم المساكن، تحت ذرائع تتعلق بالتنظيم أو السلامة أو المخططات المستقبلية.

في مدن كدوما وداريا والقابون، يُمنع السكان من إصلاح منازلهم حتى لو كانت الأضرار جزئية. وتُرفض محاولات إدخال مواد البناء أو إجراء إصلاحات محدودة، بحجة أن المناطق ستدخل في تنظيمات جديدة أو أن الأبنية غير مرخصة، رغم أن كثيراً من السكان يمتلكون وثائق ملكية منذ عقود. يتم إيقاف الأعمال في منتصفها، وتُزال التعديلات المنفذة، ما يُبقي السكان في حالة انتظار دائم للفرج، أو يدفعهم للعيش في ظروف غير إنسانية، داخل منازل مهدمة جزئيًا أو ملاجئ مؤقتة لا تصلح للسكن.

القوانين الناظمة تُستخدم كعقبة دائمة. أبرزها القانون رقم 40 لعام 2012، الذي يفرض إزالة الأبنية المخالفة دون تمييز بين طبيعة المخالفة، والموقع، ودرجة الضرر. يضاف إليه القانون رقم 10 لعام 2018، الذي يسمح بإنشاء مناطق تنظيمية جديدة ويشترط إثبات الملكية خلال فترة قصيرة جدًا، وإلا يتم نقل الملكية إلى الدولة دون تعويض، ما يثير مخاوف السكان من فقدان حقوقهم العقارية.

الواقع على الأرض يُظهر أن محاولات الترميم الفردية تصطدم بجدار إداري صارم. الأهالي يتحدثون عن معاناة مستمرة في التعامل مع البلديات، التي ترفض طلبات الإصلاح، حتى تلك التي تتعلق بأعمال بسيطة مثل إصلاح المطبخ أو الحمام. ويزداد الوضع سوءًا في ظل ارتفاع تكاليف الإيجارات التي تفوق قدرة الغالبية، ما يجعل العودة إلى المنازل المتضررة خياراً اضطرارياً رغم عدم صلاحيتها للسكن.

من جانبها، تؤكد الجهات الرسمية أن الترميم ممكن بشروط، منها السلامة الإنشائية الكاملة للبناء. ويُشترط الحصول على موافقة من لجنة فنية مختصة تقوم بتقييم الأضرار وتحديد إمكانية الترميم أو ضرورة الإزالة. تُصنَّف الأبنية ضمن ثلاث فئات: سليمة، قابلة للتدعيم، أو مهددة بالانهيار وتستوجب الهدم. لكن في كثير من الحالات، لا تُمنح الموافقات اللازمة، أو يتم تأخير البت بها لفترات طويلة، ما يزيد من حالة الجمود والمعاناة.

التقديرات تشير إلى أن الغوطة الشرقية وحدها تحوي أكثر من 35 ألف مبنى متضرر كليًا أو جزئيًا، إضافة إلى مناطق أخرى مثل حرستا وزملكا وعربين وسقبا. في المقابل، لا توجد خطة حكومية واضحة لإزالة الركام أو دعم العودة السكنية، رغم أن كمية الأنقاض في ريف دمشق وحدها تُقدّر بنحو 6.9 ملايين طن، ما يجعلها من أكثر المناطق السورية تلوثاً بالبقايا الخرسانية.

من ناحية الدعم المالي، لا توجد تعليمات رسمية تمنع منح القروض، إلا أن السكان يواجهون عراقيل غير معلنة. تشير العديد من الإفادات إلى أن طلبات الترميم تُرفض شفهياً داخل بعض المصارف، تحت مبررات مثل "عدم وجود تعليمات"، أو "المنطقة غير مخدمة"، ما يعكس توجهاً عاماً بتجميد الإقراض في هذه المناطق التي تُخطَّط لتنظيمها لاحقاً.

من الناحية الفنية، يرى مختصون في الهندسة المدنية أن ترميم عدد كبير من الأبنية ممكن، شرط الالتزام بمعايير السلامة وإشراف جهات هندسية مختصة. كما يشيرون إلى إمكانية تطبيق حلول إنشائية مدروسة لتدعيم الأبنية المتضررة جزئياً، مؤكدين أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب المرونة الإدارية وغياب الدعم الفني والمالي للسكان. ويرون أن تعديل بعض البنود التنظيمية، وتبسيط إجراءات الحصول على رخص الترميم، من شأنه أن يفتح الباب أمام عودة تدريجية للأهالي، ويقلل من الضغط على البنية التحتية والمرافق العامة.

في ظل هذا الواقع، يبقى مصير آلاف الأسر في ريف دمشق معلقًا بين أنقاض المنازل وقسوة النزوح الداخلي. وبينما تعجز الدولة عن تقديم البدائل أو تسهيل العودة، يتحوّل الترميم – رغم بساطته – إلى مشروع مؤجل، تعرقل تنفيذه الاعتبارات البيروقراطية، ويهدده مستقبل تنظيمي غير واضح المعالم.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 6