غارات إسرائيلية تعمّق الفوضى جنوب سوريا

سامر الخطيب

2025.07.16 - 10:26
Facebook Share
طباعة

 تشهد المنطقة الجنوبية من سوريا تصعيداً خطيراً في وتيرة التدخلات الخارجية، بعد أن شنت طائرات حربية إسرائيلية سلسلة من الغارات الجوية استهدفت مواقع عسكرية تابعة للقوات السورية في ريفي السويداء ودرعا. الغارات طالت تحديداً اللواء 52 في بلدة الحراك بريف درعا، إضافة إلى طريق الثعلة والشقراوية في ريف السويداء، وتجمعاً لعناصر الأمن العام قرب مبنى قيادة الشرطة وسط مدينة السويداء.


ورغم الأوضاع الداخلية المتوترة التي تعيشها محافظة السويداء نتيجة الأحداث الأخيرة، جاء هذا التصعيد الإسرائيلي ليزيد من تعقيد المشهد، في وقت تبذل فيه الدولة السورية جهوداً واضحة لاستعادة الاستقرار واحتواء الفوضى الناتجة عن الاشتباكات التي اندلعت قبل أيام.


تدخل مباشر تحت ذرائع واهية
بررت إسرائيل عملياتها الجوية بما أسمته "حماية الدروز" في جنوب سوريا، معتبرة أن تحركات القوات السورية في السويداء تمثل خرقاً لما وصفته بسياسة "نزع السلاح" التي تعلنها من طرف واحد في تلك المنطقة. هذه الذريعة، التي تم تسويقها عبر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تُظهر ازدواجية المعايير وتناقضاً صارخاً مع القانون الدولي، الذي يضمن للدول السيادية حق الدفاع عن أراضيها دون تدخلات خارجية.


وفي سياق موازٍ، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تصريحات تؤكد إصدار تعليمات للجيش الإسرائيلي بشن ضربات مباشرة على القوات السورية التي تتحرك نحو مدينة السويداء، متذرعاً بأن هذه القوات تُعد تهديداً مباشراً لإسرائيل، وهو ادعاء يتنافى مع الواقع، لا سيما أن العمليات العسكرية التي تنفذها الحكومة السورية تندرج ضمن إطار بسط السيطرة وحماية المواطنين في مناطقها الجنوبية.


دمشق تندد وتطالب برد دولي
الخارجية السورية أدانت الغارات الإسرائيلية بشدة، ووصفتها بـ"الاعتداء السافر" الذي يستهدف السيادة السورية في لحظة دقيقة تمر بها البلاد. وأكدت الوزارة أن هذه الاعتداءات ليست سوى محاولات مكشوفة لخلط الأوراق، وعرقلة أي مسار نحو الاستقرار، خاصة في الجنوب السوري، الذي بدأ يشهد مؤخراً جهوداً واضحة لفرض الأمن والتهدئة.


وأكدت دمشق أن حماية مواطنيها، بمن فيهم أبناء الطائفة الدرزية، تقع على عاتق الدولة السورية، وليس عبر تدخّل خارجي يزعم الحرص بينما يسهم عملياً في إطالة أمد الفوضى. وشددت على أن أي استهداف للعسكريين أو المدنيين السوريين، تحت أي ذريعة، لن يمرّ دون محاسبة سياسية وقانونية، داعية المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح إزاء هذه الاعتداءات المتكررة.


أبعاد أعمق من غارات جوية
يرى محللون سياسيون أن ما تقوم به إسرائيل لا يندرج فقط في إطار الرد العسكري أو الإجراءات الوقائية، بل يتعداه إلى محاولة منهجية لإبقاء سوريا في حالة فوضى مزمنة، تمنع عودتها إلى موقعها الإقليمي الطبيعي. وفي هذا السياق، أشار الدكتور تركي القبلان، رئيس مركز ديمومة للدراسات والبحوث، إلى أن تل أبيب لا تستهدف مجرد تحركات عسكرية، بل فكرة الدولة السورية ذاتها.


وأوضح القبلان أن "إسرائيل تخشى عودة المركز السيادي في دمشق أكثر من خشيتها من أي خطر ميداني مباشر"، مضيفاً أن "كل خطوة نحو الاستقرار تُعد تهديداً لمعادلة الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، ولهذا تُستهدف البنية العسكرية والسياسية السورية باستمرار".


الجنوب السوري بين التصعيد والتهدئة
يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في وقت تشهد فيه السويداء مواجهات داخلية مؤسفة، تعمل الدولة السورية على تطويقها وتهدئتها بكل الوسائل الممكنة. وفيما تستمر قوى الأمن الداخلي بضبط الأوضاع داخل المدينة، تثير هذه الغارات تساؤلات عديدة حول الأهداف الإسرائيلية الحقيقية، ومدى ارتباطها بمحاولات تعطيل جهود المصالحة المحلية.


إن توقيت الضربات، ومواقعها الحساسة، والدعاية المرافقة لها، كلها عوامل تشير إلى نية مبيتة لإبقاء الجنوب السوري في حالة احتقان دائم، ومنع الدولة من استعادة كامل وظائفها الأمنية والمؤسساتية.


وفي ختام المشهد، يبدو أن ما تتعرض له سوريا في الجنوب ليس مجرد تدخل عسكري عابر، بل جزء من مشروع استنزاف ممنهج تحاول الدولة تجاوزه بحكمة سياسية وضبط ميداني، في ظل تطلع شعبي لاستعادة الأمن والسيادة على كامل التراب الوطني.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 6