أكدت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" أنها لا تسعى إلى الانفصال عن الدولة السورية، بل تعمل على تحقيق شراكة وطنية تقوم على مبدأ اللامركزية الديمقراطية، بما يضمن العدالة والتمثيل العادل لجميع المكونات السورية.
جاء ذلك في بيان رسمي صدر عقب سلسلة اجتماعات عقدها وفد الإدارة الذاتية مع مسؤولين من الحكومة السورية في دمشق، بمشاركة مراقبين وممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا، في سياق محاولات استئناف الحوار الوطني السوري وبحث مستقبل البلاد السياسي والإداري.
لا مركزية.. لا انفصال
شدّدت الإدارة الذاتية في بيانها على أن مطالبها ليست انفصالية كما يروّج البعض، بل تنسجم مع أهداف الثورة السورية في بناء نظام سياسي تعددي وديمقراطي، يحترم التنوع الثقافي والقومي، ويضمن المساواة والكرامة لجميع المواطنين دون استثناء.
واعتبرت أن "وحدة الأراضي السورية مبدأ لا مساومة عليه، وركيزة ثابتة في رؤيتها السياسية"، مضيفة أن "المزايدة في هذا الملف الوطني لا تخدم سوى مشاريع التقسيم والفوضى، وتضر بفرص التوصل إلى حل سياسي دائم".
وأضاف البيان: "نطمح لأن نكون جزءًا فاعلًا من مسار بناء سوريا الجديدة، سوريا حرة تعددية، تحتضن جميع أبنائها على أساس المواطنة المتساوية، بعيداً عن الإقصاء والتهميش الذي ساد لعقود".
الحوار الوطني هو الخيار الاستراتيجي
ورأت الإدارة الذاتية أن الاجتماعات التي جرت مؤخرًا تمثّل "خطوة بالغة الأهمية في اتجاه بناء مسار حوار سوري–سوري مسؤول"، مشيرة إلى أن "الجلوس إلى طاولة واحدة لبحث القضايا المصيرية بجدية وشفافية يُعدّ إنجازاً سياسياً"، في ظل مشهد سياسي مأزوم وحالة انقسام مزمنة.
وأكدت أن "الانخراط في العملية السياسية خيار استراتيجي لا رجعة عنه"، داعية إلى إعادة بناء الثقة بين الفاعلين السوريين، وفتح صفحة جديدة تؤسس لدستور عادل، وإعادة توزيع الصلاحيات بما يمنح الإدارات المحلية مزيداً من التمثيل والاستقلالية ضمن إطار الدولة.
كما أعربت عن شكرها للدور الإيجابي الذي تلعبه الولايات المتحدة وفرنسا في تسهيل هذه اللقاءات ودفعها نحو نتائج ملموسة.
عبدي: مستعدون للاندماج لا للاستسلام
في السياق ذاته، أكد قائد "قوات سوريا الديمقراطية – قسد"، مظلوم عبدي، أن قواته لا ترى ضرورة لنزع السلاح إذا تم تطبيق اتفاق آذار، الذي يقضي بدمج القوات والمؤسسات المدنية التابعة للإدارة الذاتية ضمن مؤسسات الدولة السورية.
وأوضح عبدي، في مقابلة أجرتها الصحفية الألمانية–الكردية دوزان تيكال، أن قواته ملتزمة بالاتفاق، وتدعم الحوار الجاري مع دمشق، مضيفًا: "نحن مستعدون للاندماج في الجيش السوري والدفاع عن وحدة البلاد، لكننا نرفض العودة إلى سياسات القمع والإقصاء".
وأشار إلى أن التطبيق السليم للاتفاق "كفيل بجعل قسد قوة وطنية داخل مؤسسة الجيش السوري، تتحمل مسؤولية حماية شمال شرقي سوريا".
خلاف حول الصيغة العسكرية
وعلى الرغم من التقدم في بعض المسارات، إلا أن خلافات جوهرية لا تزال قائمة، خصوصاً في ما يتعلق بصيغة دمج "قسد" في الجيش السوري.
ووفق مصادر مطلعة، أصر وفد الإدارة الذاتية على الاحتفاظ بهيكليته العسكرية المستقلة، وأن يتم دمج "قسد" كقوة قائمة بذاتها داخل الجيش، مع تمركزها في مناطق الرقة ودير الزور والحسكة، الأمر الذي قوبل برفض قاطع من الحكومة السورية، التي شددت على "وحدة القرار العسكري والسيادة الوطنية".
رفض الفيدرالية وتأكيد على السيادة
من جانبه، أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، أن واشنطن ترفض أي مشروع فيدرالي داخل سوريا، وتدعم وحدة الدولة تحت راية واحدة وجيش واحد، مشيرًا إلى أن "قسد شريك رئيسي في الحرب على الإرهاب، لكنها لا تملك حق إنشاء كيان مستقل".
وأضاف أن اتفاق آذار فشل جزئيًا بسبب غياب التفاصيل التنفيذية، وأن العمل جارٍ حاليًا على صيغة جديدة تضمن مشاركة كافة المكونات في إطار دولة مركزية موحدة، تراعي مطالب العدالة والتمثيل، دون المساس بوحدة البلاد.
مطالب سياسية واجتماعية
وأكد بيان الإدارة الذاتية أن مطالبها السياسية لا تقتصر على المسائل العسكرية، بل تشمل أيضًا عدالة اجتماعية، مساواة بين الجنسين، وحقوق ثقافية وقومية لجميع المكونات، معتبرة أن هذه المبادئ "ليست بدعة ولا تجاوزاً، بل تعبير صادق عن جوهر ما خرج السوريون من أجله منذ عام 2011".
ودعا البيان إلى التخلي عن الخطاب الإقصائي، مشيرًا إلى أن "اللغة التخوينية والاتهامية لم تجلب لسوريا سوى مزيد من الدمار والانقسام".
دعوة للوحدة الوطنية
في ختام بيانها، دعت الإدارة الذاتية جميع الأطراف إلى التحلي بالمسؤولية الوطنية، ورفض الانجرار خلف خطاب الكراهية أو مشاريع الاحتراب الداخلي، معتبرة أن التكاتف في هذه المرحلة الدقيقة "ضرورة وجودية لحماية ما تبقى من سوريا، والعبور نحو مستقبل مشترك لا إقصاء فيه ولا استئثار".