هل عاموس يدلين جاسوس ايراني؟

كتب كارلوس عاصي – بيروت

2025.07.14 - 09:46
Facebook Share
طباعة

في يوليو 2025، نشرت مجلة فورين أفيرز مقالًا وقّعه عاموس يادلين، الجنرال المتقاعد والرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، حمل عنوانًا برّاقًا لكنه ضمّن مضمونًا يكاد يرقى إلى مستوى الكشف الاستخباراتي الكامل. المقال الذي أراد أن يُظهِر نجاح إسرائيل في ما سمّاه عملية "الأسد الصاعد" ضد إيران، تحوّل عند القراءة المتأنّية إلى ما يشبه الكتيّب الإرشادي المضاد، حيث عرض أهداف إسرائيل، وحدود قوتها، ومخاوفها، وحتى شروط نجاحها وإخفاقها، كما لو أنه يفتح أبواب التحليل أمام من يريد أن يُفشل هذه العملية، لا أن يكرّسها.


ما طرحه يادلين تجاوز التقييم العسكري إلى رسم خريطة طريق استراتيجية، تقوم على ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، تعطيل منظومتها الصاروخية، تقليص نفوذ وكلائها في المنطقة، والتأثير في الداخل الإيراني بشكل يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وربما انهيار النظام. أما سياسيًا، فقد ربط هذه العملية بفرصة لإعادة رسم الشرق الأوسط، من خلال صفقة كبرى تشمل تحييد "حزب الله" و"حماس"، نزع سلاح غزة، فرض ترتيبات أمنية في سوريا ولبنان تضمن أمن إسرائيل، والدفع باتجاه تطبيع إقليمي واسع يُنهي أي تهديد حقيقي على حدودها.


لكن ما لم ينتبه له يادلين، أو لعلّه تجاهله عمدًا، أن نشر مثل هذه الخطة على العلن يمنح الطرف المقابل – إيران – وقتًا ومساحة لتفكيك المنهج الإسرائيلي والتفكير بهدوء في بناء رد متماسك. من يقرأ هذا المقال بعقل استخباراتي إيراني لن ينظر إليه كتحليل عابر، بل كنافذة على النوايا، وتحديد دقيق لنقاط الاستهداف والضغوط المتوقعة. المقال يكشف ليس فقط عن أدوات إسرائيل، بل عن تصورها للزمن، لتكتيك الضغط، ولطريقة تفكير صانع القرار في تل أبيب وواشنطن.


ما يمكن أن تستخلصه طهران من نص يادلين أكبر بكثير مما توقعه كاتبه. بإمكان القيادة الإيرانية، انطلاقًا من المقال، إعادة بناء برنامجها النووي بشكل لا مركزي وأكثر حصانة، وتوزيع مكوناته على منشآت صغيرة يصعب تتبعها أو استهدافها دفعة واحدة. كما يمكن لها أن تعيد هيكلة شبكة حلفائها الإقليميين لتصبح أكثر اندماجًا في المؤسسات الرسمية المحلية، وتقلل من ظهورها العسكري مقابل تضخيم حضورها السياسي والإعلامي والاجتماعي، ما يعقّد عملية الاستهداف الخارجي.


المناورة الزمنية كانت حاضرة أيضًا في تحليل يادلين كأحد السيناريوهات الإيرانية المتوقعة. غير أن طرحها بهذه الصراحة يمنح الإيرانيين مبررًا لاستخدامها، عبر الدخول في مفاوضات مرنة ومفتوحة، دون الالتزام بشيء واضح، وانتظار تغيّرات سياسية في إسرائيل أو الولايات المتحدة قد تقلب المعادلات. المقال فتح لإيران باب استخدام الحرب النفسية ذاتها التي ظن يادلين أنه يمارسها عبر مجلته الأميركية المرموقة.


الأخطر أن الجنرال الإسرائيلي أعاد إنتاج سردية الشرق الأوسط ما بعد إيران، كما لو أنه يصوغ مشروع صفقة القرن الثانية، لكن بلغة الأمن والردع والمفاوضات. في هذا السيناريو، تطوي المنطقة صفحة النزاع مع تل أبيب، وتُطبِّع مع إسرائيل بدافع الخوف لا المصالح، وتُقصى القوى المسلحة من معادلة القرار في غزة ولبنان وسوريا. غير أن مجرد الإفصاح عن هذا التصور بهذه الطريقة يمنح خصوم إسرائيل فرصة كبيرة لتعبئة الشارع العربي ضده، وتقديمه كخطة هيمنة إسرائيلية شاملة، لا كمشروع سلام.


في عالم الاستخبارات، لا أحد يكشف خطته بهذه الصراحة إلا لأحد ثلاثة أسباب: غرور القوة، أو ضغط الرأي العام، أو خطأ في الحسابات. ومع عاموس يادلين، يبدو أن الثلاثة اجتمعوا معًا. مقاله، الذي أراده رسالة قوة، تحوّل إلى مرآة تكشف بوضوح مكامن ضعف الاستراتيجية التي يروّج لها. وفيما كان يفترض أن يخدم الهدف الإسرائيلي، قد يتحوّل إلى واحد من أكثر النصوص خدمة للخصم، لو أُحسن قراءته من الجانب الآخر. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4