دمشق والقاهرة: حذر العواصم رغم الدفء الظاهر

سامر الخطيب

2025.07.13 - 05:11
Facebook Share
طباعة

 رغم الخطاب الإيجابي الذي يتردد في المحافل الرسمية، لا تزال العلاقة بين دمشق والقاهرة محكومة بالقلق والترقب. فالتاريخ الطويل من العلاقات بين العاصمتين لم يشفع في تجاوز الحذر المتبادل، خاصة بعد تولي القيادة السورية الجديدة مقاليد السلطة في مرحلة انتقالية توصف بالحساسة.

وفي مطلع تموز الجاري، ناقش وزيرا الخارجية في البلدين، خلال اتصال هاتفي، مستجدات المشهد السوري، في ضوء التطورات السياسية والاقتصادية، لا سيما بعد الإعلان عن تخفيف العقوبات الأمريكية. كما تم التطرق إلى ملف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الأراضي السورية، ما أعاد إلى الواجهة أهمية التفاهم الأمني الإقليمي المشترك.

ورغم تأكيد الجانب المصري دعمه لـ"عملية سياسية شاملة بملكية وطنية سورية خالصة"، إلا أن التصريحات الرسمية المصرية لا تخفي وجود مخاوف أمنية وسياسية، يتصدرها ملف المقاتلين الأجانب والجماعات المسلحة ذات الخلفيات الإسلامية، التي ترى فيها القاهرة تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة، وليس فقط لسوريا وحدها.

لا قطيعة... ولا انفتاح
تشير الوقائع إلى أن العلاقات بين دمشق والقاهرة تقف عند نقطة وسطية: لا هي مقطوعة بالكامل، ولا هي منفتحة على شراكة استراتيجية. فبينما تواصل القاهرة التنسيق الحد الأدنى مع دمشق، تختار الأخيرة إعادة ترتيب أولوياتها الداخلية وصياغة علاقاتها الإقليمية من منطلق الحاجة لا التبعية.

وتحتفظ مصر بموقف واضح تجاه الحالة السورية، قوامه الترقب والتريث. فالعاصمة المصرية، على ما يبدو، تفضل تقييم مآلات التغيير في سوريا قبل الانخراط في أي مسار تعاون موسع. ويأتي ذلك انطلاقًا من رؤية مصرية تعتبر الأمن الإقليمي، لا الشعارات، أساس أي انفتاح سياسي.

هواجس أمنية لا تغيب
في تصريحات رسمية، أشار وزير الخارجية المصري إلى أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب مسارين متلازمين: عملية سياسية شاملة لا تقصي أحدًا، ومحاربة حقيقية للإرهاب. وأثار في الوقت نفسه قلق القاهرة من وجود مقاتلين أجانب داخل تشكيلات عسكرية سورية، معتبرًا ذلك تقويضًا لمفهوم الدولة الوطنية.

هذا القلق ليس جديدًا، فمصر تتبنى منذ سنوات رؤية صارمة تجاه الجماعات الإسلامية، خاصة تلك العابرة للحدود. وتنظر بعين الريبة إلى أي سلطة، حتى وإن كانت رسمية، تنخرط في شراكات مع قوى تحمل أيديولوجيات متشددة أو جذورًا غير وطنية.

وتُولي القاهرة أهمية كبرى لهوية المشروع السياسي في دمشق، ومدى قدرة القيادة الجديدة على احتواء التعدد وضبطه ضمن إطار الدولة، بعيدًا عن المنافسات المسلحة أو الولاءات الفصائلية. كما تعتبر القاهرة أن أي محاولة لإضفاء شرعية على جماعات دينية مسلحة، ولو تحت عنوان "التكامل"، تشكل خطرًا إقليميًا لا يمكن تجاهله.

حضور خليجي مقابل غياب مصري
في وقت تسارعت فيه خطوات بعض العواصم الخليجية نحو دمشق، لا تزال القاهرة متمهلة. فالدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية وقطر، لعبت دورًا رئيسيًا في دعم الحكومة السورية الجديدة سياسيًا واقتصاديًا، وصولًا إلى التوسط لدى واشنطن لرفع العقوبات جزئيًا. بل إن بعض هذه الدول أبرمت اتفاقيات مالية ضخمة مع الحكومة السورية، بهدف إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

لكن القاهرة، رغم اطلاعها على هذا المسار، لم تلتحق به. ويعود ذلك، وفق مراقبين، إلى أن مقاربة مصر للملف السوري لا تحكمها الضرورات الاقتصادية أو التوافقات الدولية فقط، بل تنبع من رؤية أعمق ترتبط بالأمن القومي.

وتضع مصر عدة خطوط حمراء أمام أي تقارب، أبرزها رفض استضافة شخصيات مطلوبة أمنيًا، أو منح شرعية لجماعات مسلحة، مهما كانت الرايات التي ترفعها. كما تتحفظ على دمج مقاتلين أجانب في مؤسسات الدولة السورية، معتبرة أن ذلك يشكل سابقة خطيرة قد تمتد آثارها إلى دول الجوار.

دمشق الجديدة: بين الانفتاح والحذر
في المقابل، تسعى القيادة السورية الجديدة إلى إعادة تموضعها عربيًا، مدفوعة بالحاجة إلى الاعتراف والدعم. وتبدي انفتاحًا محسوبًا تجاه العواصم الكبرى، بما فيها القاهرة، لكن دون التنازل عن خياراتها السيادية.

التصريحات الصادرة عن دمشق تحمل نبرة وحدوية، وتُظهر رغبة في تطبيع العلاقات مع مصر على أسس جديدة. غير أن الرغبة وحدها لا تكفي، إذ يتطلب الأمر توافقًا على المصالح، وتفاهمًا على قواعد التعاون، وتوضيحًا للثوابت السياسية لكل طرف.

ويبدو أن القاهرة تضع نصب عينها ثلاثة عوامل رئيسية قبل الذهاب نحو انفتاح حقيقي: استقرار البنية الأمنية داخل سوريا، وضوح هوية القرار السياسي بعيدًا عن ازدواجية التأثير، واستعداد دمشق للانخراط في ترتيبات إقليمية لا تؤدي إلى اختلال في التوازنات القائمة.

من الرمز إلى الفعل
لا شك أن التصريحات الإيجابية من الجانبين، مثل حديث الرئيس السوري الانتقالي عن أن "سوريا ومصر جناحان لطائر واحد"، تعكس إرادة رمزية للتقارب. لكن التحول من الخطاب إلى الممارسة يتطلب خارطة طريق عملية تُبنى على الشفافية والثقة المتبادلة.

حتى اللحظة، تسير العلاقات السورية–المصرية على خط التوازن الدقيق: لا صدام مباشر، ولا شراكة عميقة. وبين الدعوة للوحدة، والقلق من الانفلات، تترقب العاصمتان إشارات أوضح تعيد تعريف العلاقة وتمنحها بعدًا استراتيجيًا جديدًا.

ومع أن الجغرافيا والتاريخ يدفعان نحو التقارب، تبقى السياسة فن إدارة المخاوف، لا مجرد تكرار العواطف.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 7