سوريا بلا فيدرالية.. أمريكا ترسم خطوط المرحلة

سامر الخطيب

2025.07.12 - 01:10
Facebook Share
طباعة

 في مشهد سياسي يعاد ترتيبه على وقع تحولات غير مسبوقة، خرجت واشنطن عن صمتها في الملف السوري، لتعلن بوضوح موقفها من مستقبل الدولة السورية، رافضة بشكل قاطع أي مشاريع فيدرالية أو محاولات لإنشاء كيانات مستقلة داخل أراضيها. التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي إلى سوريا وضعت النقاط على الحروف في ما بات يُعرف بـ"المرحلة الانتقالية"، واضعةً جملة من المحددات لرؤية الولايات المتحدة لشكل الدولة المقبلة، وشركائها المفضلين، وشروطها لدعم أي مسار سياسي واقتصادي.


لا للفيدرالية ولا لدولة داخل الدولة
الموقف الأميركي جاء حازماً: لا مكان للفيدرالية في سوريا، ولا لأي تشكيل عسكري أو إداري يعكس طابعاً مذهبياً أو قومياً مستقلاً عن الدولة المركزية. أي قوة عسكرية، سواء كانت كردية أو درزية أو علوية، يجب أن تذوب ضمن جيش وطني موحد، تحت علم واحد وسيادة واحدة.


هذا التصور، الذي يتقاطع مع توجهات الحكومة السورية الحالية، يعكس رغبة مشتركة بين واشنطن ودمشق الجديدة في إنهاء ظاهرة "المناطق الخاصة"، التي سادت خلال سنوات الحرب، عبر فرض سلطة الدولة على كامل الجغرافيا السورية، وإلغاء أي طموحات حكم ذاتي أو إدارات مستقلة.


رفع العقوبات.. دعم مشروط لإعادة الإعمار
خطوة لافتة اتخذتها الولايات المتحدة مؤخراً عبر قرار شامل برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في ما اعتُبر ضوءاً أخضر لانطلاق مرحلة إعادة الإعمار. هذا القرار، الذي فُسّر كرسالة ثقة بالحكومة السورية الجديدة، يهدف إلى فتح الأبواب أمام الاستثمارات والمساعدات الدولية، وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد السوري.


لكن هذا الدعم ليس بلا سقف، إذ أكد المسؤولون الأميركيون أن إعادة فرض العقوبات ممكنة في حال ظهرت مؤشرات تراجع أو انحراف في المسار المتفق عليه. وبهذا تكون واشنطن قد وضعت "الجزرة والعصا" في الوقت نفسه، واضعة شروطاً ضمنية لاستمرار الدعم.


الاندماج لا الانفصال.. موقف واضح من "قسد"
في الملف الكردي، أوضحت الولايات المتحدة أنها لا تمنح شرعية لأي كيان سياسي أو عسكري مستقل عن الدولة، حتى وإن كان حليفاً سابقاً في الحرب ضد تنظيم "داعش". قوات سوريا الديمقراطية، رغم اعتراف واشنطن بدورها المهم، لا يمكن أن تتحول إلى نواة لدولة موازية في شمال شرق البلاد.


التوجه الأميركي يدفع باتجاه دمج هذه القوات ضمن الجيش السوري، في سياق عملية منظمة تراعي التوازنات الأمنية والعرقية، وتمنح ضمانات لكل المكونات، دون السماح بإنشاء جيوش رديفة أو إدارات منفصلة.


مسار دستوري وحوار داخلي بلا وصاية
تعتمد السياسة الأميركية في سوريا على تسهيل الحوار لا فرض الحلول، وفق ما أعلنه المبعوث الأميركي. لا نماذج جاهزة ولا خرائط مفروضة من الخارج، بل دعم لمسار سوري – سوري داخلي، يراعي حساسيات المكونات، ويؤسس لنظام سياسي جديد قائم على الشفافية والعدالة والمشاركة.


وبينما تتواصل الجهود لدفع الأطراف السورية نحو طاولة حوار منتجة، تتجنب واشنطن لعب دور "الوصي" أو "الضامن"، وتكتفي بتوفير الدعم الفني والسياسي، مع ترك القرار النهائي للسوريين أنفسهم.


انفتاح سياسي وإقليمي: إسرائيل لم تعد عدواً
ربما الحدث الأبرز في الرؤية الأميركية الجديدة لسوريا يتمثل في إدراج مسألة التطبيع مع إسرائيل ضمن ثوابت المرحلة المقبلة. إذ لا تخفي واشنطن رغبتها في رؤية دمشق تنضم تدريجياً إلى مسار "اتفاقيات أبراهام"، حتى وإن لم يكن ذلك عبر توقيع مباشر.


التحول الملحوظ في الخطاب الرسمي السوري، بعد تصريحات الرئيس الجديد بأن إسرائيل "ليست عدواً"، فتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة، تعيد رسم تحالفات الإقليم. سوريا، في هذا السياق، ليست مجرد طرف في اتفاق ثنائي، بل "محور" في شبكة تطبيع أوسع تشمل لبنان، الأردن، العراق، وتركيا.


دور تركي حيوي في خارطة المستقبل
من غير الممكن الحديث عن مستقبل سوريا دون ذكر تركيا، الدولة التي تستضيف ملايين السوريين، وتملك نفوذاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً على الأرض. الدور التركي مرشّح لأن يتحول إلى شراكة إقليمية في صياغة التفاهمات المستقبلية، خاصة في ما يتعلق بملفات اللاجئين، الحدود، والتجارة العابرة.


الولايات المتحدة تعوّل على تركيا في أن تكون همزة الوصل بين سوريا والعالم، لا سيما مع الدول الإسلامية والغرب، في حين تبقى أنقرة قادرة على التأثير في مواقف فصائل المعارضة، والمساهمة في إعادة صياغة البنية الاجتماعية في الشمال السوري.


نهاية مرحلة وبداية اختبار
التحولات المتسارعة في الموقف الأميركي تعكس إدراكاً لحقيقة أن الحرب السورية دخلت مراحلها الأخيرة سياسياً، وأن ما تبقى هو ترتيب التفاصيل النهائية لمشهد ما بعد الصراع. لكن هذا لا يعني أن الطريق ممهدة، إذ تبقى ملفات كبرى مثل الدستور، اللامركزية، العدالة الانتقالية، وعودة النازحين، بحاجة إلى توافقات داخلية عميقة.


الفرصة مفتوحة، لكنّ اختبار النوايا بدأ. سوريا، كما تقول واشنطن، أمام خيار صناعة قصة جديدة، بعد أن فشلت كل القصص السابقة. أما نجاح هذه القصة فمرهون بقدرة السوريين على تجاوز الموروثات الطائفية والمناطقية، والتوجه نحو دولة موحدة، عادلة، وسيادية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 6