بعد سنوات من التهميش والإقصاء، خرج عشرات الموظفين السابقين في مدينة إدلب إلى الشارع، مطالبين بإعادة حقوقهم المسلوبة، في وقفة احتجاجية لافتة نظمت عند دوار السبع بحرات وسط المدينة. المحتجون رفعوا لافتات تطالب بإعادتهم إلى وظائفهم وصرف تعويضات عن سنوات الفصل، في وقت يعانون فيه من أوضاع معيشية متدهورة وغياب أي مصدر دخل ثابت.
الموظفون الذين فصلوا تعسفياً خلال عهد النظام السابق، قالوا إن قرارات فصلهم استندت إلى تقارير كيدية، لا تستند إلى دلائل قانونية أو مهنية. وقد طالت قرارات الفصل موظفين من قطاعات مختلفة كالتربية، والصحة، والزراعة، والطاقة، والنفط، فيما لم يتم النظر بملفاتهم رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على انهيار النظام السابق.
المطالب التي حملها المحتجون كانت واضحة: العدالة والإنصاف. هؤلاء الأشخاص لم يرتكبوا ذنباً سوى أنهم كانوا ضحايا لتصفيات إدارية أو سياسية. ومنذ لحظة فصلهم، دخلوا في دوامة من الفقر والبطالة، دون أي تعويضات أو بدائل، وسط تجاهل الجهات الحاكمة الجديدة لقضيتهم.
لكن الوقفة السلمية التي استمرت لساعات قليلة، لم تُكتب لها الاستمرارية. إذ سارعت قوى الأمن إلى فض التجمع، ومصادرة اللافتات، وتهديد المشاركين بالعقوبات. خطوة أثارت استياء الكثيرين، ورأى فيها المواطنون امتداداً لنهج القمع الذي كان سائداً، ما يلقي بظلال من الشك على مدى التزام السلطات الحالية بمبادئ العدالة والشفافية التي وعدت بها.
المفارقة أن هذه المطالب لا تتجاوز حدود الاستحقاق الطبيعي لأي موظف تم فصله تعسفاً: العودة إلى الوظيفة، والتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية، ومعالجة أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية التي تدهورت على مدار سنوات. إلا أن غياب آلية واضحة لإعادة الحقوق وفتح الملفات القديمة يتركهم في حالة من الانتظار القاتل، دون حلول قريبة في الأفق.
وفي ظل هذه التطورات، يزداد القلق من أن يُطوى ملف المفصولين دون إنصاف، ما يعكس خللاً عميقاً في أولويات المرحلة الجديدة، ويعيد إنتاج السياسات الإقصائية السابقة بأدوات مختلفة.
المطالب التي خرج بها الموظفون لا تحمل بعداً سياسياً أو فئوياً، بل تعبّر عن حق مشروع لفئة من الناس ساهمت في بناء المؤسسات، ثم وجدت نفسها في العراء، دون دعم أو اعتراف. وإذا ما استمرت الجهات الرسمية في تجاهل هذه الملفات، فإنها تخاطر بفقدان ثقة الناس، وتوسيع الفجوة بينها وبين الشارع.
ما يحتاجه المفصولون اليوم ليس التعاطف فحسب، بل خطوات عملية تبدأ بتشكيل لجان قانونية لمراجعة ملفاتهم، وتقدير الضرر الواقع عليهم، والعمل على تعويضهم وفق أسس عادلة. إن العدالة الانتقالية لا تكتمل دون إعادة الاعتبار لأولئك الذين تم ظلمهم في الماضي، وإلا فإن شعارات التغيير ستبقى بلا مضمون.